رواية عشق يحيي الفصل السابع عشر 17 بقلم سلمي جاد


رواية عشق يحيي الفصل السابع عشر  بقلم سلمي جاد 


وقف قدّامها، ملامحه لسه فيها صدمة مش قادر يخبيها، وقال بنبرة متوترة:
— ضحى… إنتي جننتي؟ إزاي تيجي هنا؟ إيه اللي جابك؟!

ضحى رفعت راسها، ونبرة صوتها خرجت مليانة وجع وعتاب:
— مقدرتش متجيش… المسافة بينا بتكبر كل يوم… غصب عني وعنك.
بصّت له بعينين بتلومه أكتر ما بتعاتبه:
— إنت فجأة اختفيت… ومشيت كإن اللي بينا ملوش قيمة…
طب أومّال كان كل اللي بينّا ده إيه يا زين؟!

هو لف وشّه، حاول يسيطر على نفسه وقال بصوت بارد:
— ضحى… اللي بينا كان عادي .. يمكن إنتي فهمتي غلط.

ضحى ضحكت ضحكة قصيرة، فيها وجع وسخرية وجرح:
— عادي؟!
لو هو عادي… كنت اتوجعت بالشكل ده؟
ولا إنت بس بتهرب؟!
سكت…

وده كان الجواب في حد ذاته.
ضحى رفعت ذقنها، وكملت بنفس الثقة الجامحة اللي مكنش متوقعها:
— بس لو بجد مقصدكش… ولو محبتنيش…
يبقى نتراهن.

زيل بصّ لها بحدة:
— نتراهن؟!

هي قربت منه خطوة… والمسافة بينهم بقت خيط رفيع:
— أيوه… رهان.
إني هخليك تحبني… غصب عنك.
وهتشوف.

عينه اتسعت، ملامح صدمة… بس فيها لمعة صراع داخلي.

ضحى زوّدت الجرعة وقالت:
— لما تخسر يا سيادة النقيب…
وتقع في غرامي…
هتنفّذلي طلب… من غير شروط.

لفّت من غير ما تستنى ردّه.
اتحركت خطوتين ناحيه الباب…
قبل ما تطلع وقفت لحظة، وقالت:
— وأنا واثقة…
إنك هتخسر.
خرجت.
الباب اتقفل وراها.
زين فضّل واقف مكانه…
باصص لمكان وقفتها.
نفسه اتقل، وبعدين… ابتسامة صغيرة ظهرت على شفايفه.
ابتسامة حدا دخل تحدي… وهو عارف إنه مش هيكون سهل.

_____________________________

ليلى كانت حاسة بقلبها بيدق زي الطبل، وصوابعها مش بتبطل فرك في بعضها من كتر التوتر. الفندق كان فخم جداً، والأضواء الخافتة في المطعم اللي قاعدين فيه مدياله هيبة خلتها مش على بعضها. بصت لآدم اللي كان قاعد قصادها بكل برود، وسألته بصوت مهزوز: "هو المستثمرين اتأخروا كده ليه يا آدم؟"

آدم ساند ضهره لورا، وعينيه كانت بتفحص ملامحها بنظرات غريبة، فيها خبث ليلى ماقدرتش تفهمه، ورد بهدوء مريب:
— "زمانهم جايين يا ليلى.. إنتي متوترة زيادة عن اللزوم ليه؟"

ليلى حاولت تظبط صوتها وهي بتقول:
— "أصل.. أنا كنت فاكرة إن الميتنج هيكون في الشركة، مش فاهمة ليه اخترنا فندق بالذات."

آدم ابتسم ابتسامة صفرا وأضاف وهو بيقرب منها شوية:
— "دي رغبة المستثمرين يا ستي، وبعدين إنتي خايفة من إيه؟ إحنا في مكان عام أهو وسط الناس، يعني مش قاعدين في أوضة لوحدنا فوق!"

الكلمة نزلت على ليلى زي المية الساقعة. استغربت جداً من طريقته وكلامه اللي فيه تلميحات مريبة، لسه هترد وتسأله يقصد إيه، قطع تفكيرها الجرسون وهو بيحط كوبايتين عصير برتقان قدامهم.
ليلى بصت للكوباية باستغراب:
— "بس أنا مطلبتش حاجة!"
آدم بصلها ببرود وهو بيشاورلها تشرب:
— "أنا اللي طلبت.. اشربي وهدي أعصابك شوية."
ليلى فعلاً كانت حاسة إن ريقها ناشف من التوتر، فمدت إيدها ومسكت الكوباية، ولسه هترفعها عشان تشرب، فجأة الموبايل اللي قدامها على التربيزة نور..
عينيها وسعت من الصدمة، والرعشة زادت في إيدها لما قرأت الاسم اللي ظاهر على الشاشة.. همست بصوت يدوب مسموع وشحب لونها تماماً:
— "يحيى!"

رفعت عينيها بسرعة أول ما سمعت صوت آدم وهو بيسألها بهدوء مريب: "مالك؟". ماردتش، اكتفت بابتسامة باهتة وهي بتستأذن منه ثواني. قامت بخطوات سريعة، كأنها بتهرب من نظراته، ودخلت حمام المطعم.
خدت نفس عميق، وطلعت موبايلها اللي مابطلش رن، ودست على زرار الرد..
يحيى: "أنتي كويسة؟"

هي (بتحاول تستجمع ثقتها): "أيوة طبعاً، ليه بتسأل؟"
يحيى بلهفة قلقانة: "مش عارف.. حسيت فجأة إني محتاج أسمع صوتك، قلقت عليكي من غير سبب."

سكتت لحظة، قلبها دق بعنف لما سألها: "أنتي فين دلوقتي؟". التفكير شلّ حركتها لثواني، وقبل ما تتردد أكتر، صبغت صوتها بنبرة ثقة مهزوزة وغريبة: "أنا.. أنا في الشركة يا يحيى."

يحيى: "تمام.. خلي بالك من نفسك."

هي: "لازم أقفل دلوقتي عشان ورايا شغل كتير، سلام."

قفلت الخط بسرعة وهي بتطمن نفسها إنها كذبة بيضا عشان ما تفتحش أبواب للمشاكل، بس صوتها الداخلي كان بيأنبها وبيهمس لها إن حبل الكذب قصير.

خرجت من الحمام، رجعت الترابيزة وهي بتحاول ترسم ملامح طبيعية، وسألت آدم باستغراب:
"هو ليه المستثمرين اتأخروا كدا يا آدم؟"
رد آدم ببرود ونبرة فيها "تمثيل" واضح لو ركزت شوية:
"لسه قافلين معايا، خلاص هما على باب الفندق وداخلين حالاً."
وبعدين شاور بصباعه على كوباية العصير قدامها وقال بلؤم: "اشربي العصير بتاعك، شكلك محتاجة تهدي شوية."

مسكت الكوباية وشربت نصها بلهفة وعطش، وكأن مكالمة يحيى هي اللي نشفت ريقها.. مخدتش بالها خالص من نظرات آدم اللي كانت مراقبة كل بلعه بتشربها، وعينيه بتلمع بخبث كأنه صياد مستني الفريسة تقع في الفخ.
_______________________________

في مدرية الآمن

كان يحيى قاعد في مكتبه، عينه مثبتة على الموبايل بشرود، وقلبه مقبوض بطريقة مش طبيعية بعد مكالمته مع ليلى. كان بيحاول يقنع نفسه إنها مجرد هواجس، بس حاسة الظابط اللي جواه كانت بتصرخ إن فيه كارثة بتحصل.
فجأة، الهدوء ده انكسر بصوت باب المكتب وهو بيتفتح بعنف لدرجة إنه خبط في الحيطة. دخل زين وهو بينهج، وشه كان مخطوف وعرقه بيتصبب، وبمجرد ما عينه جت في عين يحيى نطق بصعوبة:
"يحيى.. أنا قدرت أوصل للي بعت الصورة لليلى!"

يحيى قام وقف من ورا مكتبه بحدة، وعروقه برزت وهو بيسأل بصوت حاد: "مين؟!"

زين: "مصطفى درويش.. الظابط اللي خانا وباعنا للعصابة زمان."

يحيى (بصدمة وجحوظ عين): "أنت بتقول إيه؟ مصطفى مين؟ ده المفروض مات.. 

زين بخوف: "لأ يا يحيى، طلعت كل دي لُعبة.. هو قدر يعيش، وعمل كذا عملية تجميل غيرت ملامحه تماماً، وغير اسمه وهويته وقدر يرجع وسطنا بشخصية تانية.. بس مش دي المصيبة الكبيرة!"

يحيى قبض على إيده بقوة لدرجة إن ضوافره غرزت في كفه وسأله بفزع: "أومال إيه؟ أنطق يا زين متلعبش بأعصابي!"

زين سكت ثواني، الثواني دي كانت تقيلة زي الجبل، وقبل ما يفجر قنبلته خد نفس طويل وقال بصوت واطي ومرعوب:
"المصيبة إن مصطفى درويش ده.. هو نفسه 'آدم الشريف'.. صاحب الشركة اللي ليلى وضحى بيتدربوا فيها!"

الجملة نزلت على يحيى زي الصاعقة. الدنيا لفت بيه، وصورة ليلى وهي بتقوله "أنا في الشركة" رنت في ودنه.. عرف في اللحظة دي إن ليلى في "عش الدبور"، وإنها وقعت في إيد أكتر بني آدم بيكرهه في الدنيا، والمرة دي الانتقام مش هيبقى رصاصة في الصدر، ده هيبقى في الشرف والعمر كله.

________________________________

مفيش دقايق، وبدأت الدنيا تلف بـ "ليلى". حست إن جسمها بيتقل وصورة آدم قدامها بتبتدي تتهز. حاولت تقوم، سندت على طرف الترابيزة وهي بتنهج: "أنا.. أنا دايخة أوي .."
آدم قام بسرعة، ملامحه اللي كانت بتبان هادية اتحولت لابتسامة صفراء، وقرب منها وسندها بقوة كأنه بيساعدها، لكن إيديه كانت محكماها تماماً. هي حاولت تزقه بضعف وهي مشوشة: "ابعد لو سمحت.. أنا هعرف أمشي.."

بس هو مابعدش، بالعكس، كان بيشدد قبضته عليها وكل ما حد من عمال المطعم يبصله بتساؤل، كان بيرسم ابتسامة كذابة ويقول بهدوء:
"معلش، المدام دايخة شوية.. الضغط واطي، هخرجها تشم هوا."

في الممرات الخلفية
خرج بيها من باب خلفي للمطعم بعيد عن عيون الناس والزحمة، وفي اللحظة اللي ليلى فقدت فيها الوعي تماماً تحت تأثير المخدر القوي الي كان في العصير ، شالها بين إيديه ببرود تام.

وصل لممر الفندق المؤدي للأسانسير، وفي اللحظة دي.. الموبايل في شنطتها صرخ بالرنين. آدم وقف، طلع الموبايل بهدوء، وبص على الشاشة.. كان "يحيى".

ضحكة خبيثة وشريرة اترسمت على وشه وهو بيبص لليلى الغايبة عن الوعي، وهمس بصوت واطي ومستمتع:
"معلش بقى يا سيادة النقيب.. زوجتك المصون مش فاضية لك دلوقتي، وراها مشوار أهم."
وبكل استهانة، رمى الموبايل على الأرض، وداس عليه بطرف جزمه كأنه بيمحي آخر خيط يربطها بالعالم اللي بره، ودخل الأسانسير والباب اتقفل

__________________________________

في الناحية التانية، كانت شوارع المدينة بتشهد سباق مع الزمن. يحيى كان سايق عربيته بجنون، بيشق الزحمة وكأنه في معركة، وعينه مابتفارقش الطريق بس عقله كان في مكان تاني خالص.

جنبه كان "زين" اللي بيحاول يمسك أعصابه ويمسك فيه عشان العربية ما تتقلبش بيهم، وبنبرة بيحاول يخليها هادية قال: "أهدى يا يحيى.. إن شاء الله خير، هنوصل لها."

يحيى انفجر فيه وصوته كان مرعب، مزيج بين الغضب القاتل والخوف اللي بياكل قلبه:
"أهدى إزاي يا زين؟! أهدى إزاي وأنا عارف إن الكلب ده مش هيرحمها؟ ده عايز ينتقم مني فيها.. أنا واقف مكاني مش عارف حتى هو خدها على فين، وتفكير الكلب ده أنا حافظه، هيأذيني في أغلى ما عندي!"

ملامح يحيى كانت زي الثور الهاييج، عروقه بارزة وعينه بتطلع شرار، وصدره بيعلو ويهبط من كتر التوتر. زين لسه هيفتح بقه عشان يتكلم، فجأة موبايله نور بإشعار.. بص فيه وبرقت عينيه بصدمة:
"يحيى! الموقع اتحدد.. هما في فندق قريب مننا جداً، مش أبعد من شارعين!"

يحيى اتصنم مكانه لثانية واحدة، الثانية دي مرت عليه كأنها دهر. كل السيناريوهات السوداء والوحشة هجمت على دماغه، اتخيل ليلى في إيد آدم، واتخيل غدره.

وفجأة.. فاق من صدمته، وبحركة عنيفة دور العربية وضغط على البنزين لآخر صرخة في المحرك. الكاوتش عمل صوت صرير عالي جداً وهو بيحك في الأسفلت، وطلع دخان من كتر السرعة. عينيه في اللحظة دي ضلمت تماماً، ومبقاش شايف قدامه غير صورة آدم وهو بياخد حقه منه بدمه.

العربية فرملت قدام باب الفندق بصوت رعب كل اللي واقفين. يحيى نزل منها زي القضاء المستعجل، مبيشوفش قدامه، وزين بيجري وراه بيحاول يلحقه قبل ما يرتكب جناية.
دخل "الريسبشن" بخطوات بتهد الأرض، وهجم على السكرتير اللي واقف، مسكه من لبسه ورفعه من ورا المكتب وهو بيصرخ فيه بصوت زلزل المكان:
"آدم الشريف فين؟ أنطق.. الغرفة رقم كام؟"
الموظف كان بيترعش ومن الرعب مش عارف ينطق، يحيى خبط على المكتب بإيده بقوة خلت الموظف يتنفض ويقول بلجلجة: "الـ.. الجناح 402.. الدور الرابع يا فندم!"

ساب يحيى الموظف يقع على الأرض وجري على الأسانسير، بس مكنش عنده صبر يستنى، طلع السلم جري وكأنه طاير. زين كان وراه، وقبل ما يوصلوا لباب الجناح، زين مسك كتف يحيى بقوة ووقف قدامه ثانية واحدة، بص في عينيه وقال بنبرة تحذير ممزوجة بخوف عليه:
"يحيى! مهما كان اللي هتشوفه جوه.. اتأكد إن ليلى أكيد مش في وعيها، الكلب ده هو اللي عمل كدا.. م تخليش غضبك يغلبك عليها!"

يحيى بصله وعينيه كانت عبارة عن كتلة نار، بس وسط النار دي كان فيه لمعة دموع محبوسة.. دموع وجع، وحسرة، وعجز إنه مكنش جنبها يحميها. ماردش بكلمة واحدة، بس نظرته كانت كافية تقول إن اللي جاي مش هيعدي على خير.

يحيى دخل الأوضة بخطوات تقيلة، كأن رجليه بتتسحب على الأرض سحب. عينه وقعت في الصالة على قميص رجالي مرمي بإهمال على الأرض.. ده
كل خطوة كان بيمشيها كانت بتنهش في أعصابه. وصل لحد باب الغرفة الجوانية، ولمح حجاب مرمي على الأرض مسكه بإيد مرتعشه وقربه منه وشم ريحتها ... ريحة الافندر اللي حافظها عن ظهر قلب وإيده اللي بتترعش زقت الباب ببطء.. وفي لحظة، اتصنم مكانه.

العالم كله وقف، والصوت انقطع عن ودنه، ومبقاش سامع غير ضربات قلبه اللي بقت زي الطبول. المنظر اللي قدامه خلى الدم يتجمد في عروقه: ليلى نايمة على السرير، غايبة عن الوعي تماماً، وشعرها مبعثر بوضوح، وآدم واقف بكل برود، فارد ضهره، وبيلف يواجه يحيى بابتسامة نصر حقيرة، وهو بيعدل لبسه كأنه خلص مهمته بنجاح.

يحيى ملامحه اتغيرت، الوجع اللي في عينيه اتحول لجمود مرعب، كأنه "هدوء ما قبل العاصفة". كان بيبص لليلى بنظرة كلها انكسار، وبعدين نقل عينه لآدم.. وفي اللحظة دي، ملامح يحيى مكنتش ملامح بني آدم، كانت ملامح وحش جريح مستعد ينهي حياة اللي قدامه بأبشع طريقة ممكنة.
زين وقف وراه، وشه شحب تماماً وهمس بصدمة: "يحيى.. لاااا!"

stories
stories
تعليقات