رواية حبل الوريد الفصل السابع عشر 17 بقلم ياسمين عادل

 

 

 


 رواية حبل الوريد الفصل السابع عشر بقلم ياسمين عادل


       _ تجمع الناس من حولهُ .. كان مُسجى على الأرضية لا يعي شيئًا ، يفتح عينيه تارة وتنغلق رغمًا عنهُ تارة أخرى ، كانوا متجمعين حوله ليكتشفوا هل فارق الحياة أم إنه على قيدها ! 
مرّ كثيرًا من الوقت حتى أتت سيارة الإسعاف ، عمل المسعفين على إفاقتهُ .. ولكنهم عجزوا عن ذلك ، فـ تم حملهُ ونقله داخل عربة الإسعاف ليتم إسعافهُ سريعًا .. 
تأوه ريان بصوت مسموع وهو ينطق بإسمها ، فقد كانت إصابة رأسه بالغة .. وضع المسعف بعض المحاليل على جرح رأسهُ العميق وهتف لزميلهُ :

- دماغهُ مفتوحة بجرح حوالي ١٠ سم  
- وفي كسر في المرفق غير الخدوش والكدمات
- الراجل ده ربنا كتبله عمر جديد ، دي عربيتهُ أتفحمت .. لو كان جواها كان زمانه ميت

     _ صرخ ريان فجأة .. فقد شعر بألم عميق يضرب ذراعهُ اليُمنى ، وكأنه ينادي عليها لتخفف من آلامهُ .. 

- كــ... ـا ... رمــن ! 
المُسعف وهو يتفقد نبضاتهُ : النبض كويس ، بس ضغط الدم عالي 
المسعف ٢ : شوف جيوبه كدا مفيهاش أي إثبات شخصية ؟ 

     _ تفحص المسعف جيب بنطالهُ فوجد محفظة جلدية وهاتفه أيضًا ، وقد كُسرت شاشة اللمس خاصته .. 
تفحص المسعف محتوى المحفظة فوجد بها صورًا متعددة لإمرآه واحدة '' كارمن '' ، فهمس بخفوت :

- باينها مراتهُ ! 
- المسعف ٢ : مفيش بطاقة ولا حاجة ؟ 
المسعف وهو يقرأ الأسم المدون بالبطاقة الشخصية : ريـان طاهر أبوزيد النعماني 

..................................................................... 

       _كان من السهل الوصول لعائلة ريان .. فقد كانت أرقامهُ الشخصية ورقم الهاتف المنزلي مدون بالكارت الخاص به في محفظتهُ .. 
وما أن علمت تاج بهذا الخبر حتى أبلغت به كارمن سريعًا ، بعد أن أبلغتها جهة الإستقبال الخاصة بالمشفى بطلب ريان المشدد لهذه الفتاة تحديدًا '' كارمن '' .. 
لذا فقامت بإخبارها دون تردد .. أنخلع قلب كارمن وهي تتلقى الخبر ، ودب الذعر داخلها .. رغم إنها علمت بطيب حالتهُ وعدم تدهورها ، ولكن مجرد إصابتهُ أصابها بالجزع .. 
فـ أرتدت ما طالتهُ يدها سريعًا وتأهبت لمغادرة القصر .. ولكنها تفاجئت بإقتحام كريم لحجرتها وحالتهُ لا وصف لها من هولها .. كان وجهه مُحمر بإحمرار شديد ، وعيناه كأنها أختلطت بالدماء .. والدموع لا حد لها ، ولج وهو يصرخ فيها :

- مـــات ، مـات ياكارمن ! 

     _ كانت عبارته گالصعقة الكهربية التي جعلت جسدها يرتعش بقوة .. وصرخت فيه وهي تعنفهُ :

- لأ مماتش ، مش هيموت ويسيبني لوحدي ياكريم .. تاج قالتلي إنه كويس ، كـويس والله كويس
كريم وهو يهز رأسه بعنف : أبونا ، أبويا مـات وانتي السبب .. أبويا مـــات ، مــــــــــات

      _ أرتخيا ساقيها ، أبت السقوط .. هزت رأسها رافضة هذا الواقع المجحف ، ونطقت بهدوء عجيب :

- إنت بتكدب عليا ، بابا كويس وزمانه جاي عشان يطمن عليا .. ياريتني إستنيت في المستشفى أكيد كان هييجي ياخدني
كريم وهو يهزها هزّه قوية : أنتي مبتفهميش ، بقولك مات .. العربية أتقلبت بيه ومات 
كارمن وهي تدفعهُ للخلف : أبعد عني ، لازم أروح أشوف ريان .. بابا كويس وزمانه جاي ، لما ييجي متقولوش إني روحت لـريان عشان ميزعلش

       _ صفعها بظهر يده .. لم يكن أمامهُ البديل ، ليجعلها تخرج من بوتقة أحلامها ورفضها للواقع .. وعاود الصراخ بها مجددًا :

- جــلال الدغيدي ، أبويا وأبوكي .. مــات ياكارمن ، فوقــي بقــا ، عايزة إيـــه تـانــي ! 

     _ ساقها معهُ گالمُغيبة إلى المشفى التي يرقد فيها جثمان والدهم المتوفي .. لم تدمع دمعة واحدة ، وكأن دموعها جفتّ وانتهت ، وقفت بجوار شقيقها الذي كانت حالتهُ أسوء من أن توصف .. فقد تحدث إليهم الطبيب و :

- للأسف ده اللي حصل ، والمرحوم جالنا متوفي .. الحريق اللي حصل في العربية أدى لإنفجار شرايين القلب و..... 
- هـو فين ! 

    _ قالتها كارمن وكأنها إنسان آلي ، مُجرد من الشعور والحس .. يبدو إنها تبلدت ومشاعرها تجمدت بدمائها فأصبحت غير شاعرة بشئ حولها .. بينما ذم الطبيب على شفتيه وهو يقول :

- الجثمان بيتحضر للدفن ، والتصاريح طبعًا منتهتش
- عايزة أشوفه
الطبيب وهو يهز رأسهُ بالرفض : صعب ، عن أذنكم 

     _ خرجت الممرضة من الغرفة الساكن فيها والدها ، فتقدمت منها كارمن بخطوات جامدة .. مدت يدها في حقيبتها فـ أخرجت العديد من الأوراق النقدية ، ثم دستها في جيب البالطو الأبيض الذي ترتديه الممرضة وهمست :

- عايزة أشوفهُ
الممرضة وهي تنظر حولها بتوجس : دقيقتين بس

     _ ترك كريم ساقيه ، فجلس على الأرضية يبكي بـ إنتحاب .. لم يقوَ على مواجهة الموقف أو الوقوف أمامه ، بينما ولجت كارمن لهذه الحجرة .. 
كانت الإضاءة خافتة والجو بارد للغاية ، أرتعش جسدها على أثر هذه البرودة .. بينما كان جسد والدها ممدد على هذا السرير الحديدي ، مُغطى بملاءة بيضاء ، 
أغلقت كارمن الباب وأنتقلت بخطواتها نحوه ، تُقدم قدم وتؤخر الأخرى .. الآن بدأت تشعر بما حدث ، أنتفض جسدها وهي تقف أمامه ، وبـ أصابع مرتعشة مدت يدها لتنزع هذه الملاءة ، فـ اصطدمت عيناها برؤية وجهه .. كانت صفحة وجهه من الجهة اليُسري محترقة ، وعنقه أيضًا مرورًا بأجزاء من جسده وذراعه .. وما تبقى من جسدهُ برز عليه الزُرقة ، تلمست بشرتهُ بأطراف أناملها لتتفاجأ بتجمدها وكأنها وضعت يدها في المبرد.. 
فسحبت يدها سريعًا وهي تهمس :

- بـابي ، أنا سيبت ريان خلاص وجيتلك ، يلا بينا نمشي

    _ كانت تنتظر أن يرد عليها ، يحدجها بقسوة ، أو يرمقها بعتاب .. ولكنه ساكنًا لا يتحرك ، فهل للموتى من أمل للرجوع !! 
ولكنها لم تدرك بعد حقيقة فقدانهُ للأبد ، ومازالت سحابة شتوية مغيمة على ناظريها .. فـ ابتلعت ريقها وهي تتابع :

- مبتردش عليا ليه !؟ للدرجة دي لسه زعلان مني ! 
طب قوم وانا اوعدك مش هكلمه تاني ، بس ارجع عشاني .. بابي ! إزاي هونت عليك تمشي كدا من غير ما تقولي ؟ 

     _ رفعت رأسه لتكون على ذراعها ، وأحتضنتها بإنفعال عاطفي وهي تتابع :

- مين عمل في وشك كدا ! قوم رد عليا وكلمني أنا مقدرش على زعلك مني .. انت أحلى حاجة في الدنيا دي ليا

     _ بدأ يتسرب داخلها رغبة شديدة في الصراخ .. البكاء ، العويل والنحيب .. هزت رأسه وهي تحاول أن تجعلهُ يفيق ، ولكن دون فائدة ، والآن فقط بدأت تشعر إنها فقدته للأبد ولن يعود .. أنسالت دموعها گالفيض بعد أن أمتنعت عنها وكأن أصابها الجفاف .. ونادت عليه بنشيج صادر من طيات فؤادها الملتاع :

- بابي ، كفاية كدا وقوم ، يلا نمشي من هنا ونروح بيتنا ، بابي .. بـــــــــــــابــــي ، ليه بتعمل معايا كدا .. ليه مش بترد عليا ؟ 

      _ وصلت أصداء صرختها للخارج ، وآتى على صوتها الأطباء والممرضات الموجودين في الطابق يبحثون عن مصدر الصوت .. حتى تفاجأ الجميع بدخولها لهذه الحجرة المحظورة ، كانت تحاول حملهُ على عاتقيها لتخرج به من هنا وتمنعهم من أن يحرمونها رؤيته ثانيًة .. ولكنهم لحقوا بها ، لجموا حركتها بمجهود مُضني عقب أن حاربتهم بالأيدي والساقين ، ومازال صراخها مستمر بأن يتركوها و :

- هو حي ، هيقوم دلوقتي يرد عليا سيبوني أخده من هنا .. أوعوا .. سيبوني آآآآآه ، بــابـــا

................................................................... 

      _ أفاق ريان من إغماءتهُ ، ومازال ينادي عليها بصوته الضعيف والمتألم .. أقتربت منه '' مايسة '' لتطمئن على حاله وهي تردد بإمتنان :

- ألف حمد وشكر ليك يارب ، حمدالله على سلامتك يابني
ريان بصوت متقطع : كـ... ارمن ، آآه 
مايسة وهي تمسح على رأسه المربوطة بحنو : أهدى ياحبيبي .. أهدى وانا هطلبلك الدكتور يشوفك
ريان : هاتيلي كارمن ياعمتي ، فين كارمن ! 
مايسة وقد أنعقد حاجبيها بإنزعاج : كارمن إيه دلوقتي ياريان ، خليك في اللي انت فيه يابني .. دي حتى مفكرتش تتصل تسأل حصلك إيه رغم إن أختك كلمتها كتير ومبتردش 
تاج وهي تهمس بالقرب من عمتها : عمتي ، بلاش الكلام ده أحسن يضايق
مايسة وقد أرتفعت نبرة صوتها : أنا عايزاه يسمع ، دي مفكرتش تكلف خاطرها وتيجي تشوفه .. مش شايفة حالته عاملة إزاي ياتاج ؟ 

    _ صرخ ريان بتألم شديد وهو يتحسس رأسهُ الملفوفة بقطع الشاش .. ثم شعر بعدها وكأن ضربات من حديد تُطرق على ذراعهُ المكسورة ، فنطق بصوت متشنج 

- آآه ، هي فيـ ـن .... ؟ 
تاج وهي تربت على كفه : حاضر حاضر ، هكلمها تاني
ريان وهو يتأوه بشدة : آآآه
مايسة وهي تطلق زفيرًا محتقنًا : صحيح بت معندهاش دم

.................................................................... 

    _ تم حقنها '' كارمن '' بمهدئ للأعصاب .. عقب حالة الإنهيار العصبي التي وقعت أسيرتها .. 
وقرر الطبيب حجزها تحت المراقبة والإختبار للتأكد من سلامتها .. بينما بقى هو '' كريم '' جانبها ولم يفارق حجرتها للحظة ، كُل هذا الذي تعرضو له في الآونة الأخيرة يرجع أصولهُ لـ ريان .. هذا الحب الذي تجدر في قلب شقيقتهُ ! مقت هذه العائلة وحتى حبيبتهُ التي تنتمي إليهم .. 
فقد خسر الأم والأب ! الحنان والسند .. 
وبقت هي وليست هي أيضًا ، فإذا ما تعدت هذه المرحلة ستكون فُتات روح وليست روح .. هذا الحُب أستهلك طاقتها وأخيرًا سحب منها '' والدها '' ، الأعز لديهم .. 
هكذا كانت نظرة كريم للأمور من حولهُ .. 
حلّ الصباح بهموم جديدة .. لمح كريم بداية إفاقة منها ، فنهض عن جلستهُ واقترب منها ، كانت دموعها عالقة بأهدابها ، ووجهها يتشنج من الحين للآخر وكأنها تعيش داخل كابوس مزعج .. هتف بأسمها قائلًا :

- كارمن ! 

    _ فتحت عينيها نصف فتحة ، فسقطت العبرة التي تعلقت بأهدابها .. وفي نفس التوقيت ، كان الشرطي يلج للحجرة عقب أن قرع الباب .. فوقف كريم لإستقباله ، بينما ردد الشرطي بجدية :

- حضرتك إبن بالمتوفي ! 
كريم وهو يومئ رأسه بقهر : آ... آه
الشرطي : البقاء لله 
كريم : ونعم بالله 
الشرطي وهو يضغط على أصابعه بتردد : في حاجة لازم أبلغك بيها

     _ عقد ما بين حاجبيه بتساؤل ، بينما تابع الشرطي حديثهُ :

- عربية والدك كانت فراملها مفكوكة ، يعني الحادث بفعل فاعل

     _ حملقت عيناه بذهول ، الأدق تعبيرًا إن حدقتيه كادتا تخرج عن محجريهما من هول هذه الصدمة ، بينما لم يختلف حال كارمن عنهُ .. عندما ألتقط سمعها هذه العبارة ، فانتفضت لتعتدل في جلستها ، بينما تابع الشرطي حديثهُ مؤكدًا تورط شخصًا ما بالأمر :

- واللي خلانا نبحث في الأمر ، إن مكان الحادث أتوجدت فيه بقايا قُنبلة موقوتة ، أكتشفنا إنها كانت مزروعة في العربية بتاعت والدك ، يعني بمعنى أصح اللي دبر الحادثة كان عايز يضمن إن المرحوم يموت ، ولو نجى من حادثة العربية يموت بالإنفجار
- إنت .. إ..... 

      _ لسانه لا يعرف ما يقول ، وعضلات لسانه أيضًا أصابها العجز .. في حين كانت كارمن گالصنم ، هذه الفاجعة لم تخطر بمخيلتها يومًا .. 
أجفل الشرطي رأسه وهو يردد :

- عارف إن مش وقته ، لكن أقوالكم لازم تتاخد في النيابة .. ولو في حد شاكيين فيه تقولو ده في المحضر ، الموضوع مش سهل .. ده قتل مع سبق الإصرار والترصد
كارمن وقد نطق لسانها فجأة والدموع لا تتوقف عن السيل من عينيها : ريــــان ! 

     _ حانت إلتفاتهُ من كريم ليرمقها بعدم تصديق ، حتى تكتمل دائرة الصدمات التي وقعت له منذ الأمس و..... 
.......................................................................

        _ لم يكُن في الإمكان تأجيل مراسم الدفن أكثر من يومين ، فـ كما يقال (( إكرام الميت في دفنهُ)) .. 
كانت كارمن گمن سُلبت منها الحياة وهي على قيدها ..تستند على صديقاتها اللاتي حضرن لمراسم الدفن لتكونن بجانبها ، والحال لم يختلف عند كريم .. فقد كانت صدمته قوية بخسارة هذا الأب العظيم ، وقف الجميع أمام المدفن المقصود .. وفي هذا الآن ، ظهر قُصي .. كان يركض نحوها عقب أن ترجل عن سيارتهُ ، دفع صديقتها بخفة ليسندها هو و :

- كارمن ، آ..... 
كارمن وهي تنظر نحو الفراغ : مــات ! 
قُصي وهو يبتلع ريقهُ بمرارة : آ... انا لسه واصل مصر من نص ساعة ، وأول ماعرفت الخبر من الشركة جيت على هنا

     _ رأتهم كارمن وهم يخرجون الجثمان الملفوف بالكفن الأبيض من الصندوق ، حملهُ كريم وبعض الرجال من الأقارب .. فأنخلع قلبها بفزع وهي تراهم يتقدمون به نحو المدفن ليهبطو به للأسفل ثم يتركوه وحيدًا .. 
أرتعش ساعديها وسحبت نفسها منهم بصعوبة ، وركضت نحو شقيقها وهي تصرخ : 

- كريم ، متنزلهوش ، متسيبش بابا ينزل تحت، متسيبهوش لوحده ! 

    _ حاولن صديقاتها أن ينتزعوها ، ولكنها كانت قابضة على الكفن لا تتركهُ .. فتقدم قُصي لينزعها بقوة وهو يهمس بخفوت :

- كارمن ، كدا مينفعش
كارمن وهي تتلوى بين ذراعيه : مش هينزل ، خليهم يسيبوه ياقُصي .. طب عايزة أشوفه ، أشوفه لآخر مرة بس
يسرا وقد أنهمرت دموعها : ياحببتي أهدي وادعيله بالرحمة
كارمن وهي تصرخ بقوة : بـــابـا ، متسيبنيش ، يابابـــــا

      _ لم يكن في وسع شقيقها أن يشعر حتى بها ، فقد كان حاله لا يختلف عنها في سوءُ .. بينما ظلت هي تحاول إنتزاع نفسها من إيدي قُصي ولكنها عجزت ، فقد لثم ذراعيها ودفن جسدها حتى لا تتمكن من الفرار .. وساعده في ذلك رفيقاتها ، حتى لا تتابع هذا المشهد الأليم .. 
نزع كريم حذاءهُ وبدأ يهبط لهذا المكان المُظلم ، رائحة الموت تفوح في المكان .. ووحشة القبر مخيفة ، هبط الرجال بجثمانهُ ، وتركوه بالجانب ، ثم حلّ عنهُ ولدهُ عُقدة الكفن وبدأ يلقي الشهادتين .. تسربت رائحة عطرة في المكان فأبتسم كريم من بين دموعه ، وألتفت برأسه حيث رُفات والدته وهمس :

- شايفة ياأمي ، بابا جالك وسابنا ، شكله مبسوط عشان هتجتمعوا من تاني .. ربنا يغفرلكم ويصبرنا

     _ ودّ أن يحتضنهُ للمرة الأخيرة .. ولكن أصعب وداع هو الذي يطول ، تراجع كريم بخطواته ليصعد من جديد تاركًا والدهُ الذي أنضم لوالدته وأصبحا في طائلة الموتى . 

.................................................................... 

        _ نظر ريان لهاتفه بيأس ، فقد ظل يراسلها ويتصل بها ولكن دون فائدة .. حتى أصابهُ السئم ، ظن إنها نفذت حديثها بأخر لقاء بينهما وغمغم بخفوت :

- بقى هونت عليكي ياكارمن ! 
مايسة وقد تقوست شفتيها بإعتراض : برضو لسه شاغل باله بيها وهي حتى مطمنتش عليه بتليفون واحد
ريان وهو يزفر بضيق : عمتي ، والنبي انا فيا اللي مكفيني ، آه

   _ تأوه وهو يضع يده على رأسه المصابة ، ثم تابع بتذمر :

- حد يشوفلي دكتور ، عايز امشي من هنا .. لازم اعرف إيه منعها عني طول اليومين اللي فاتوا
تاج وهي تنهض عن جلستها : أنا هشوف دكتور 
ريان وهو يتحسس موضع قلبهُ : قلبي واجعني أوي ، حاسس إن في حاجة ! يارب استرها 
مايسة بلهجة حادة : هيكون حصل إيه يعني ، كل الحكاية إنها خلاص اختارت .. بس انت اللي مش مصدق

     _ كادت تاج تخرج من الحجرة، ولكنها تفاجئت بفرد من الشرطة يرتدي بذلة رسمية ، وآخر يرتدي بذلة مدنية .. ابتلعت ريقها وهي تتراجع للخلف ، ثم تمتمت :

- ياساتر يارب ! 
- ممكن نتكلم مع أستاذ ريان! 
ريان وقد تشكلت الدهشة على وجهه : خير ؟ 

     _ تقدما منه ثم بدأ صاحب الزي المدني في الحديث برسمية :

- عرفنا من الدكتور المتابع حالتك إن الحادث حصل من يومين ، يعني تقريبًا نفس وقت الحادث اللي أصاب '' جلال الدغيدي '' 

    _ أعتدل ريان في جلسته واستقام فيها .. ورغمًا عن الألم سحب ذراعه المكسورة ليستطيع الجلوس بإعتدال ، بينما اقتربت تاج وتأهبت حواسها لتلقي الصدمة ، ووقفت مايسة بذهول عقب هذه العبارة .. 
فقطع ريان هذا التوتر بقوله :

- حضرتك بتقول إيه ؟ جلال عمل حادثة أمتى وإزاي ؟ 

     _ نظر الضابطين لبعضهما البعض ، قبيل أن يقول صاحب الزي الرسمي :

- نفس التوقيت اللي عملت فيه الحادثة تقريبًا
ريان وقد أنخفض بصرهُ بحزن : لا إله إلا الله ، عشان كدا؟ 

    _ نظر بطرف عينه نحو عمته التي أجفلت رأسها بحرج ، بينما جلس صاحب الزي المدني على المقعد المجاور وهو يتسائل :

- كنت فين وقت وقوع الحادث ؟ 
ريان بتلقائية : كنت على الطريق رايح للمحامي الموكل بالدفاع عن والدي ، وعملت حادثة أنا كمان
- ممكن تحكيلي تفاصيل اليوم ده بالكامل والأماكن اللي روحتها مع الإثبات
ريان وقد تنغض جبينه بعدم فهم : وده هيفيد حضرتك في إيه ؟ 

       _ إبتسم الضابط بسخرية عقب أن أستشف بداية مراوغة منه ، ثم تابع بتهكم :

- حضرتك ، متهم بتدبير حادث لجلال الدغيدي ، يعني متهم بالقتل
مايسة وهي تقبض بيدها موضع قلبها : يالهوي ! مستحيل 
تاج وقد تصارعت أنفاسها بعدم تصديق : آ...... 
ريان وقد رمشت عينيه عدة مرات محاولًا إستيعاب الأمر : أنـا ! أكيد حضرتك غلطان
- لأ ، الإدعاء من بنت المرحوم جلال ، والدليل موجود 
ريان وقد فغر فاههُ غير مصدقًا : إ... إيــــه !؟ ...................... 
.................................................................. 

تعليقات