رواية جريمة مدبرة الفصل الثاني بقلم احمد المغازي
بعد كلام إيناس، كده احنا قدام جريمة قتل مكتملة الأركان، ولو الغرض مكنش السرقة، يبقى أكيد في حاجة دفعت القاتل ينفذ جريمته وده اللي لازم اعرفه في أسرع وقت، واسم هدى ده أكيد وراه سر ومعايا مفيش سر بيستخبى كتير.. خرجت من البيت بعد ما الجثة طلعت على المشرحة، وقبل ما اركب عربيتي سمعت صوت خبط وتلخبيط جوه شقة قريبة، صوت لأزاز بيتكسر وكراكيب بتقع، قربت بهدوء وخبط تلت خبطات، بعدها خرج لي شاب لابس فانلة حملات وباين عليه سكران طينه، وده عرفته من عينيه وطريقة كلامه لما قال:
-ايوة مين؟ مين بيخبط كده.
زقيته ودخلت بهدوء.. وبعد ما وقع على الأرض حاول يصلب طوله لحد ما قام وقال بتلعثم:
-اقف عندك وقولي انتَ مين.
-ما تقف عدل يابني، انا يونس وكيل النيابة، وجاي أسألك كام سؤال.. بخصوص جريمة القتل اللي حصلت في الشقة اللي قصادك.
-ياه..وكيل نيابة! مش تقول كده من بدري.. اقعد ياباشا، تشرب أيه؟
-أنا عايزك تقوم تغسل دماغك كده وتصحصح معايا الاول بعدين نشوف موضوع الاكل والشرب ده.
حاول يقف لكنه وقع على الأرض، اتكلمت بعصبية وقولت:
-ما تفوق يالا.
سند على الكنبة ودخل غسل دماغه ووشه، وبعد ما بدأ يستعيد جزء من وعيه اتعدل في قعدته وقال بتهته:
-اؤمرني سعادتك.
-من كام يوم مسمعتش أي صوت خبط جاي من ناحية بيت عزام؟ أو حتى شوفت حد بيتردد عليه الفترة الأخيرة؟
-عزام مين؟
ولعت سيجارة وطلعت دخانها بضيق وانا بقول:
-شكل كده يومك طويل.. عزام جارك.
-اه اه، عزام.. لأ ياباشا مسمعتش.
-طب تعرف أيه عنّه؟
-ياباشا أنا راجل في حالي مليش دعوة بحد، ومعرفش حاجة عنه.
-طب ملاحظتش أي تصرفات غريبة منّه اليومين دول؟
-لأ يافندم.
قُمت، وقبل ما أمشي سمعته بيتكلم، لفيت وشي وقولت:
-ها.
-لو عايز تعرف حاجة ياباشا مفيش غيرهم.. الولا فتحي وابانوب، دول اللي يعرفوا كل حاجة عنّه.. لأنهم أصحاب؛ وكانوا واكلين شاربين نايمين صايعين مع بعض.
-صايعين؟ اه تمام يا.
-سيكا ياباشا اسمي سيكا الألدغ:
-ماشي يا ألدغ.
ركبت عربيتي واتحركت للمكتب ولما وصلت، طلبت من فارس يعملي تحريات عن التلاتة، عزام واصحابه، وعلاقتهم ببعض.. بعدها، فتحت دفتر الملاحظات وحطيت اسم كل واحد في خانة والرابط بينهم..هدى، اكيد هيظهر خيط نمشي عليه.. واحتمال كبير العيال دي يكون عندها معلومة توصلني بالقاتل ده.. ده لو مكنش واحد فيهم اللي عملها، بسبب خلاف مثلا؟. وبعد مرور أربع أيام دخل دكتور ياسر وفي ايديه التقرير، طلبت منه يقعد وبعد ما اخد نفسه قولتله:
-ها يا دكتور، في جديد؟
-للأسف، لأ يافندم.. زي ما قولت لسيادتك قبل كده المجني عليه اتخنق وهو نايم ببطانية، واثار السحجات اللي على رقبته ناتجه عن تخوف من الجاني يكون ماماتش فا حب يحط لمسة كتأكيد.
-طب وتوقيت الوفاة؟ تقدر تحدد حصلت أمتى بالظبط؟
-بص يا فندم.. أنا مقدرش أقول امتى بالظبط، بس أقدر أحدّد المدّة الزمنية تقريبية.
-تمام، قولّي وصلت لإيه؟
-من الفحص.. ومن حالة التعفّن، وانتفاخ البطن، وتلوّن الجلد..
الوفاة حصلت من أربع لخمس أيام.. من يوم إكتشاف الجريمة.
-أربع لخمس أيام؟ أنت متأكد؟
-أيوه يا فندم.. العلامات كلها ماشية مع الوقت ده، التيبّس الرمي اختفى تمامًا.. البقع الرمية ثابتة ومكتمعة في الأماكن اللي الجثة فضلت عليها. وكان في نشاط واضح ليرقات الحشرات من المرحلة التانية.. ودي ما تظهرش غير بعد يومين تلاتة.. كل ده بيقول نفس الحاجة.. الوفاة من 96 لـ 120 ساعة تقريبًا.
-تمام متشكر جدًا يا دكتور.
-استأذن سيادتك.
-اتفضل.
"صوت رنة تليفون"
-صباح الخير يا زكريا بيه.
-عملت أيه يا فارس، في جديد؟
-ايوة يافندم، من تحرياتي أتأكدت إن التلاتة على علاقة ببعض، لكن حصل خلاف بينهم من فترة، وكل واحد شاف حياته من بعدها.
-يعني كده فتحي كان بيكدب.
-ايوة يا فندم.. واللي أتأكدت منه إن فتحي وعزام دبوا خناقة مع بعض لرب السما، ووصلت لمد الأيد والتهديد بالقتل، ويومها فتحي اتعور في صدرة بألة حادة، ولما سألت الجيران أكدوا إنهم شافوا فتحي بيراقب عزام من فترة ما بعد الخناقة.
-وكان أيه سبب الخناقة؟
-للأسف محدش يعرف، هما فجاة كانوا قاعدين بيتوشوشوا سوا، وصوتهم علي بأبشع الألفاظ.
-عظيم ابعت هاتلي فتحي لأن الموضوع شكله كبير.. واهو نعرف منه سبب الخناقة، وقبلها سبب كدبه.
-تمام يا فندم.. وبالنسبة لموضوع الكاميرات، للأسف مفيش ولا كاميرا مغطية الحارة.
-طب وابانوب عرفت ايه عنّه؟
-عيل شمام سعادتك.. وله سابقة، لكن الغريب إنه مختفي من مدة طويلة ومحدش عارف يوصله.
-يعني ايه محدش عارف يوصله يا حضرة الظابط؟ تقب وتغطس ويكون قدامي.. وقبل منه عايز فتحي هنا في اسرع وقت.
-أوامر معاليك.
قفلت معاه، ومن ضيقي حرقت أكتر من سيجارة ورا بعض، لحد ما حسيت إن دماغي فصلت، فركت عيني بأيدي، وشربت شوية ماية في محاولة أخيرة في مجارة النوم، وبعد ما أعصابي هديت، قولت لنفسي " ياترى حكايتك أيه يا فتحي؟ ولو أنتَ اللي عملتها ليه تكتب اسم هدى على جسم صاحبك، ومين هدى دي" كل الكلام كان بدون دليل، لكن أنا عندي أكتر من دافع قوي للقتل.. الخناقة والندبه والتهديد.. ده خيط قوي ممكن امشي عليه.
ومفيش كام ساعة تمر والخيط يطلع ضعيف.. هش. لأن جالي بلاغ بمقتل فتحي.. حسيت إن الدنيا بتدور بيا، رغم إني متعود على المفاجآت في جرائم القتل، لكن المرادي كانت مختلفة بسبب إن كان عندي يقين إن فتحي هو اللي عملها.. كده القاتل بدأ يلاعبني، ولما حس إني هسبقة بخطوة.. أخد مبادرة ونجح في تنفيذ تاني جريمة.
خدت العنوان من فارس ولما وصلت كانت الساعة ١٠ باليل، بيت صغير في منطقة صحراوية، جو مناسب للظفر بشخص بدون ما حد يحس، وعلى عكس الجريمة الاولى، الجريمة دي كانت أبشع، أبشع لدرجة إني قعدت شوية على ما استوعبت اللي حصل.
المجني عليه كان مربوط في كرسي بسلك حديد، وجلده دايب.. لأن القاتل حرقه وهو حي.. المعاينة كانت بشعة لأقصى حد، لكن وقفت عند حاجة معينه، اسم هدى مكتوب على الحيطه بلون أحمر..دموي، اعتقد بدم فتحي.. الموضوع اتعقد، والخيط اللي كنت همشي عليه اتلف حوالين رقبتي وبيخنقني.. طلبت الطب الشرعي والجنائي علشان اخد تقرير مبدئي.. وكملت معاينة للمكان لكن مقدرتش أوصل لحاجة.. لحد ما وقفت قدام فارس وسألته مين بلغ واكتشف الجريمة إزاي؟ وكان رده إن راجل عرباوي كان معدي بالجمال وشم ريحة دخانة خارجة من البيت، ولما دخل اكتشف الجريمة وبلّغ.. وبعد ما طلبته ووقف قدامي سألته:
-اسمك وسنّك؟
-أنا أبو غالب، من السواركة، وعندي ستين سنة.
-قولي يابو غالب، عايز اعرف منك تفاصيل اللي حصل.
-منا جولت قبل كدِه يا سعادته الباشا، هو اللي هنقولوه هنعيدوه من تاني.
-لأ معلش استحملني وقولي.
-كنت معدي بالجمال والغنم ورايح لجماعة صحَابيي، لمحت طرف غبرة خارجة من الديار ولما رمحت لعنديها عرفت باللي حصل وبلغت.
-البيت ده بتاع مين؟
-مش بتاع حد.. تقدر تقول مهجور بقاله مُده، ومحدش ساكنه غير الرحالة اللي يچو يوم ويغيبو عشرة.
-تمام.. هتدي شوية تفاصيل للعسكري وتقدر تمشي بعدها.
وبعد ما خرج بصيت لفارس وسألته عن التليفون، وزي ما كنت متوقع القاتل خده.. وبعد ساعات قليله وصل فريق الطب الشرعي والجنائي، اللي قاموا بدورهم على أكمل وجه، ولما سألت ايناس عن تفسيرها للي حصل قالت:
