رواية حبل الوريد الفصل الثلاثون 30 بقلم ياسمين عادل


  رواية حبل الوريد الفصل الثلاثون بقلم ياسمين عادل


         _ نظرت هذه اللعينة حولها بحرص ، حتى تتأكد من أن الفرصة سانحة لكي تدس المسحوق المخدر في كوب المشروب الساخن .. 

وما أن تأكدت من ذلك ، أفرغت كمية صغيرة من هذا المسحوق السام بداخل الكوب .. ثم قلبتهُ جيدًا ليختفى ، ودست الكيس الصغير في حقيبتها مرة أخرى .. 

تنهدت بأريحية وهي تجلس على المقعد، إلى أن جائها إتصال هاتفي منه '' قُصي '' ، فقبضت على شفتيها قبل الرد و..... :


- أيوة ياباشا

- خلصتي مهمتك ولا لسه ؟ 

- أتقل بس عليا ، أسبوع وهتبقى مدمنة

- أسبوع كتير ياناني ، أنا عايز أخلص

- مينفعش أقل من كدا ، دي البت المرة اللي فاتت كانت هتروح مني لما زودت الجرعة ، سيبني انا أتصرف ياباشا وهتاخد شغل نضيف وعلى ميا بيضا

- ماشي ، المهم تخلصيني


     _ ظهرت تاج وهي تتقدم نحوها ، فـ ارتبكت ناني وهي تغلق هاتفها و :


- أوكي ياحببتي ، سلام


     _ جلست تاج على مقعدها وهي تتحسس معدتها .. بدا على وجهها ملامح الإنزعاج والضجر وهي تقول :


- بقال فترة مش مظبوطة ، مش عارفة مالي! شكلي واخدة برد في معدتي

ناني وهي تتصنع الضيق لأجلها : ألف سلامة عليكي ياتوتي ، معلش اليومين دول الجو متقلب .. أنا طلبتلك ينسون عشان يهدي معدتك

تاج وهي تلتقط الكوب الساخن : كويس ، يمكن يجيب نتيجة معايا


( قفشتك ) 


     _ قالتها يسرا وهي تطبق بكفها على ذراع تاج ، بينما أنتفضت الأخيرة فزعًا وانسكب منها المشروب على الأرضية وهي تهتف :


- بسم الله الرحمن الرحيم ، خضيتيني يايسرا


    _ نهضت عن مكانها ليتصافحا سويًا ، بينما تبدلت ملامح '' ناني '' لملامح منزعجة عقب أن فسد الكوب المسموم الذي أعدتهُ .. وبقى الوضع بينهما هكذا إلى أن نطقت يسرا بـ :


- بقالي كام يوم مش عارفة أتلم عليكي ، فينك؟ 

تاج وقد تقوست شفتيها بسخرية : شوية تعب بس ، ماانتي عارفاني مش بتهد

يسرا وهي تنظر نحو ناني : طب مش تعرفيني على صحباتك ! 

تاج وهي تجبر نفسها على الإبتسام : دي ناني صحبتي ، وبتدرب معايا swimming ( سباحة) 

يسرا وقد أكفهرت ملامحها دون وعي : أهلًا

ناني : أهلًا بيكي ، طب انا همشي واقابلك بكرة ياتوتي

تاج وهي تهز رأسها بموافقة : ماشي ياناني ، باي 


     _ أنصرفت ، في حين كانت عيني '' يسرا '' عليها حتى أختفت ، ثم التفتت نحو تاج لتجدها أخذت محلها فوق المقعد ويبدو عليها الأرق .. فجلست قبالتها وهي تنطق بـ :


- مالك ياتاج ، شكلك مش عاجبني ووشك خاسس 

تاج وهي تقبض على رأسها المتألمة : مش عارفة ، صداع هيفرتك دماغي ، شوية كدا وهاخد مسكن 

يسرا وهي تستند برأسها على مرفقيها : ومين ناني دي ، شكلها غريب عليا ومش مريحني

تاج : دي صحبتي ، أتعرفت عليها هنا في النادي ، بنت طيبة جدًا وملهاش صحاب غيري هنا

يسرا بفضول شديد : ودي اتعرفتي عليها إزاي ! 

تاج بنفاذ صبر : عادي يايسرا قولتلك بندرب سوا


      _ نهضت عن مكانها بتشنج ، ثم قالت بصوت متقطع :


- أنا مش هقدر أقعد أكتر من كدا ، لازم أروح أخد شاور وارتاح شوية يمكن الصداع ده يفارقني بقا !

يسرا : ............ 


        _ بدت لها غريبة الأطوار تلك المرة ، ولم تكن تاج يومًا من أصحاب المزاج المتقلب لتكون بحالتها تلك .. تضايقت من سلوكها المزعج ، ولكنها تجاهلت الأمر وهمست لحالها :


- as you like ( كما تحبي ) ياتاج


..................................................................... 


         _ لم يكن في إمكانها الصبر على أفعاله الحمقاء تلك ، فـ أجبرت حالها على العودة لمقر شركاتها من جديد لتنهي هذه المهزلة .. واستعادة خامات وأدوات البناء الخاصة بالمشروع ، حتى تزج بهُ بعيدًا عن الأمر وحتى لا يعيقها يومًا .. ربما أرادت أن تثبت له أيضًا أن تهديده لها لم يأتي بثمار جيدة معها .. 

جلست في حجرة مكتبها ، وبنفس الزي الرياضي الذي استخدمتهُ في النادي اليوم .. لم ترغب بتبديلهُ ، ذُهل الجميع من عودتها مرة أخرى وبهذه الثياب .. ولكنها حسمت الأمر عندما وبخت الجميع ليعود كل منهم لمكانهُ ومهامهُ ..

وصل الحدث إليه بسرعة البرق ، فـ ما كان منه إلا الإبتسام بسخرية من أفعالها المتهورة .. 

وسريعًا توجه نحو حجرتها سعيًا لإصلاح ما أفسدهُ في الصباح .. 

طرق على الباب بخفوت حتى سمحت لهُ بالدخول ، لم تكن تتوقع أن هذه الطرقات منهُ هو .. 

قست تعابير وجهها فجأة وهي ترمقهُ بإستهجان قائلة :


- إنت ليك عين تيجي لحد هنا بعد اللي عملتهُ الصبح! 

قُصي بنبرة هادئة : أنا جاي أعتذر واصالحك

كارمن بإبتسامة مستهزئة : مش قابلة إعتذار منك

قُصي وهو يكتم غيظًا بداخلهُ : مش كفاية إنك قابلتيه في النادي برضو ، رغم إني أتكلمت معاكي الصبح ! 

كارمن وهي تعقد ساعديها أمام صدرها بعدم إكتراث له : أنا حرة ، أقابله أو لأ .. مش مشكلتك 


      _ نهضت عن مقعدها وراحت تقترب منه بجسارة شديدة وهي ترسم الشجاعة على وجهها الجميل لتقول :


- أنا عارفة إنك مراقبني ، وعارفة إنك عارف كل تحركاتي .. وسيباك بمزاجي 

قُصي ببسمة مستفزة : كويس إننا بنفهم بعض بسرعة 

كارمن وهي تمد يدها له : هات مفاتيح المخازن اللي نقلت المواد ليها

قُصي وهو ينظر نحو كفها الممدود بتعجب : نعم ! 

كارمن بلهجة أكثر وضوحًا : هات .. المفاتيح .. بتاعت .. المخازن .. ياقُصي

قُصي بسخرية : هاتجيبي المواد بنفسك من جوه المخزن! 

كارمن : ملكش فيه 

قُصي وهو يقترب منها خطوة : للصبر حدود ياكوكي ، للصبر حدود 


     _ تراجعت عن أسلوبها ، ولكنها لم تبدي له ضعفًا .. 

أخفضت بصرها نحو كفها وهي تقول :


- هات المفاتيح وعنوان المخزن


     _ أستدار قُصي ليترك حجرتها ، وأثناء ذلك هتف :


- متقلقيش ، لو عيزاني أرجعهم مكانهم هابقى أرجعهم


      _ تحركت سريعًا لتقف أمامه وهي تقول : 


- لأ ، هتديني المفاتيح وانا اللي هتصرف 


     _ حملق في عينيها بجراءة ، ثم أبتسم وهو يقول مغازلًا :


قُصي : عيونك لونها بيتغير مع الأضاءة ، وفي كل حالاتها تجنن 

كارمن وهي تتراجع خطوة للوراء : ......... 


     _ أخرج سلسلة من المفاتيح من جيب بنطالهُ ، وبحث عن مفتاح المخزن المطلوب .. ومن ثم أخرجهُ من الحلقة المعدنية وهو يردد :


- عشان تقدري بس إني مش حابب أحجر على تصرفاتك وسايبك براحتك ، المفتاح أهو

كارمن وهي تلتقط المفتاح منه سريعًا : شكرًا 

قُصي بصوت خالجهُ الحنين : كارمن ؟  


    _ ألتفتت برأسها نصف التفاته لتراه بزاوية عينيها ، ليقول بصوت متيم :


- بحبك ياكارمن ، بحبك لدرجة الجنون .. التهور ، بحبك لدرجة الموت 


   _ أقترب منها سنتيمترات وتابع :


- أنا من غيرك أسوأ إنسان في الدنيا ، إنتي الجزء الأبيض و الحلو في حياتي .. من غيرك ممكن أعمل حجات عمري ماتخيلت إني أعملها  


    _ صمت لحظة ، ثم تابع :


- إنتي الفرامل اللي بتوقفني عن أي وحش ممكن أعمله ،ومن غير الفرامل دي هعمل حوادث وكوارث ، خليكي فاكرة ده كويس ، إنتي الفرامل ياكارمن


       _ أنهى عبارتهُ وانصرف من حجرتها وهو مازال مسلطًا بصرهُ عليها ، بينما تحاشت هي مواجهته بالوجوه ، حتى تأكدت من خروجه ، فتنفست بحرية أخيرًا وكأن حجرًا ثقيلًا إنزاح من فوق صدرها .. نظرت للمفتاح نظرات متمعنة ، ثم همست :


- عايزة أخلص من الموضوع ده النهاردة، عايزة أفوق للمشروع بقى ! 


...................................................................... 


        _ هذا هو قرص المسكن الثالث الذي تلتهمه متأملة أن يذهب عنها هذا الألم المميت الذي أصاب رأسها .. 

تكاد تُجن ، جسدها ساخن وتتعرق بشدة .. وتشعر بحالة من الهياج تجتاحها ، ولكنها حبست حالها أسفل الغطاء .. 

بدأ الألم ينسحب من رأسها رويدًا رويدًا ، ولكنها عانت الويلات .. خرج صوتها متحشرجًا وهي تقول بتهامس :


- يارب ، الوجع هيموتني آآه ! 


    _ طرق شقيقها باب حجرتها قبيل أن يلج إليها .. فوجدها بهذه الحالة التي أفزعتهُ .. 

أنتقل نحوها وهو يتسائل بقلق شديد :


- تاج ! مالك ياحببتي ؟ 

تاج وهي تمسك رأسها وتضغط عليها بعنف : صداع خفيف وهيروح لحاله ، بس سيبني أنام ياريان وهكون كويسة

ريان وهو يتمعن النظر لوجهها : بس وشك مخطوف وشكلك مش مطمني ، أطلبلك دكتور طيب ؟ 

تاج وهي تهز رأسها بالرفض : ملهوش لازمة ، أنا خدت مسكن وهكون كويسة 


         _ مسح ريان على بشرتها بحنو وهو يردد :

- طب انا هاخد حمام وأرجع اطمن عليكي ، ولو فضلتي كدا هتصل بالدكتور ييجي حالًا

تاج : ماشي 


     _ تركها وانصرف نحو غرفتهُ ، بدل ثيابه الرياضية .. ودلف للمرحاض كي يستحم ويزيل عن رأسه شوائب التفكير والهموم التي تكاثرت على عاتقهُ .   


    _ وبنفس التوقيت ، كانت كارمن قد بدلت ثيابها بأخرى وعقب جلسة إستحمام دافئة .. وقررت الذهاب لمقر المخزن ، حيث أمرت '' سامح '' بإحضار سيارتين كبيرتين لنقل البضائع حتى تستطيع نقل المعدات والأدوات للمخازن التابعة للشركة، فهاتفهتهُ للإطمئنان و :  


- ألو ، طمني ياسامح عرفت تتصرف ؟ 

طيب كويس ، هتروح العنوان اللي أديتهولك وانا جاية وراكم


     _ نظرت لساعة يدها وهي تقول :

- وإحتمال أوصل قبلكم كمان ، يلا باي 


     _ أصدر هاتفها إنذارات تعلن عن إنخفاض البطارية ، وقد أوشك الهاتف على الفصل نهائيًا .. حينما اتصل عليها المهندس ' رأفت ' ، فأجابته سريعًا وهي تردد :


- أيوة ياأونكل ، معلش الموبايل يمكن يفصل في أي وقت .. أنا عايزة أقولك بس إني رايحة أرجع كل حاجة لمكانها ومن بكرة تقدر تباشر المشروع

رأفت وقد ارتفع حاجبيه بعدم تصديق : هـه ! لأ.. آ ، مش لازم تروحي يابنتي .. أقصد خلي أي حد تاني يروح

كارمن بتشدد : لأ ياأونكل أنا هـ ..... 


    _ أنقطع الأتصال وتم فصل الهاتف ، فتأففت بإنزعاج وهي تضعه بالشاحن الكهربي كي يتم تشغيلهُ مرة أخرى .. 

توجهت نحو المرآة وعقدت الوشاح القرمذي على جانب نحرها .. ثم التقطت حقيبتها وتحركت للخارج وبسرعة ، وتناست أمر هاتفها الذي تركتهُ بالشاحن . 


.................................................................. 


       _ نفض ريان خصلات شعرهُ من المياه وهو يخرج عن المرحاض .. عاري الجسد مرتديًا منشفة عريضة حول خصرهُ، وأثناء ذلك كان يدندن بأغنية شهيرة وهو منسجم معها و :


- حبيبي يا ، ياحلم انا عيشت عمري بستناه ، واتمناه .. 


       _ ألتقط عبوة معطر الجو المضغوطة برائحة البنفسج ، وبدأ يرش منها بغزارة في الجو من حوله ويتشمم رائحتها المنعشة بسعادة .. بعد قليل سيستمع لخبر سعيد سيُزف إليه ، وهو مبتهج لذلك أشد إبتهاج .. 

فـ رن هاتفهُ برقم رأفت ، فترك العبوة وضغط على الهاتف للرد و..... :


- أيوة يابشمهندس ، نص ساعة وهتسمع خبر الموسم

رأفت بلهجة فزعة : لازم توقف كل حاجة ياريان ، كارمن في طريقها للمخزن


       _ أقشعر جسده فجأة على ذكرها وأرتعد قلبهُ بفزع عندما أدرك ما قيل للتو ، رمش عدة مرات وهو يتسائل بعدم إستيعاب :


- إنت بتقول إيه يارأفت !! كارمن إيه اللي هيوديها هناك ورايحة تعمل إيه ؟ 

رأفت بنبرة مرتعشة : عايزة تنقل أدوات البنا لمخازن الشركة بعد ما قُصي نقلها عندهُ


      _ صاح فيه بصوت خشن وهو يهدر :


- أنا مقولتليش إن في حاجة تخص كارمن في المخزن ده ! 

رأفت مبررًا حسن نيته : أنا نفسي معرفتش غير الصبح ، ولما قولت لكارمن وقالتلي هتتصرف مكنتش أعرف إنك هتنفذ النهاردة !! 

ريان بصوت مرتفع وقد أحمر وجهه بقسوة : إنت مجنون ياراجل انت !! إزاي متعرفنيش كل ده ؟ ده انا لسه مكلمك أخر النهار وقايلك هنفذ النهاردة .. إنت بتستعبط عليــا ؟ 

رأفت بنبرة مرتفعة : قولتلك مكنتش اعرف ولما عرفت بلغتك ، أتصرف ووقف كل حاجة .. كارمن في طريقها للمخازن و...... 


          _ أغلق الهاتف بدون أن يستمع منه كلمة واحدة أخرى ، وبدأ يتصل برجلهُ وهو يسب سبابًا لاذعًا و :


- يابن الـ **** ، رد يارجب ، رد عليا


'' الهاتف المطلوب مغلق أو غير متاح ، يمكنك إرسال رسالة صوتية بصوتك.. أضغط واحد بعد سماع الصفارة واترك رسالتك ،، the mobile you are calling is not availed ...... ''

    _ لم ينتظر لنهاية الرسالة وأغلق الهاتف ، تحرك سريعًا لخارج غرفتهُ ولكنه انتبه لإنه عاري .. 

فدلف للداخل مرة أخرى بخطوات مرتبكة ومنفعلة ، فتح ضلفة خزانته وأخرج قميصًا أسود وبنطال حالك السواد .. أرتدى ملابسهُ وحذاءهُ في دقيقتين وألتقط هاتفهُ وخرج ..ألتهم درجات السلم بقدميهُ وهو يركض ، حتى أصطدم بأخيه '' مراد '' .. فحاول أن يستوقفهُ وهو يقول :


- رايح فين ومستعجل كدا ! 

ريان وهو يركض ليتجاوزهُ : بعدين بعدين

مراد وهو يمط شفتيه بضجر : ولا مش بعدين ، متفرقش


           _ كان سيستقل سيارتهُ ، ولكنهُ تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة وقرر أن يركب فوق درجاتهُ النارية ليكون سريع الحركة وسط أي زحام مروري سيقابلهُ .. 

تحرك بل الأحرى إنه طار عن الأرض بقيادة سريعة ومتهورة حتى يصل قبلها .. وضع السماعة في أذنيه وراح يكرر إتصالهُ برجب عله يرد ؛ ولكن دون فائدة .. فترك لهُ رسالة صوتية بصوت صارخ و..... :


- وقف أي حاجة هتعملها ، أوعى تنفذ يارجب أوعــــى ، حياتي كلها واقفة عليك النهاردة .. لو جرالها حاجة هموتك 


     _ مازال يصارع الطريق حتى يصل إلى المكان المنشود سريعًا .. وقد تم تسجيل أكثر من مخالفة مرورية عليه لعدم الإلتزام بالإشارات المرورية .. 

ولكن لم يعبأ بذلك ، مبتغاه ألا تصاب بأي أذى .. 

تنفس بصعوبة وكأن حملًا فوق صدرهُ ، وزفر زفيرًا وهو يقول :


- والنبي يارب ، والنبي أسترها .. والله ما هتحمل يجرالها حاجة بسببي .. أرجــــوك ! يـــارب


     _ حاول الإتصال بها مرارًا ، ولكنه تفاجئ بهاتفها مغلق أيضًا ، وكأن القدر قد دبر تدابيرهُ ليُعجزهُ عن التصرف .. حاول ثانيًا وثالثًا ولكن دون جدوى ، حتى كاد يصطدم بسيارة أحدهم .. فتدارك الموقف سريعًا وانحنى بدراجتهُ يسارًا ، ليجد صاحب السيارة يسبهُ قائلًا :


- مش تفتح يابن الأعمى


    _ لم يهتم ولم يستمع من الأساس ، فكل تفكيرهُ منصب على هذه الكارثة التي على وشك الوقوع . 


       _ تقود سيارتها بتذمر شديد ، فقد تذكرت مؤخرًا إنها تناست هاتفها المحمول في القصر ولا تستطيع الإتصال بـ '' سامح '' .. ذفرت أنفاسها بضيق وتابعت قيادتها حتى شعرت بإقتراب وصولها لهناك .. 

وبالفعل وصلت .. 


كان رجب يغلق البوابة الرئيسية للمخزن جيدًا ، حتى يضمن إشتعال المخزن واحتراقهُ وعدم قدرة أحدهم على الدخول .. بعد أن غمر المكان بالمواد الفعالة المثيرة للإشتعال .. وقام بتوصيل حبل سميك من الداخل للخارج مغمور بهذه المواد حتى تصل الشُعلة الأولى للداخل .. أمسك بهاتفه الصغير وحاول الإتصال به '' ريان '' ، ولكنه وجد إشارات الشبكة تكاد تكون معدومة .. فتأفف بضيق وهو يغمغم :


- المحمول مش شغال !! مش مهم بقى ! كدا كدا متفقين على المعاد  


   _ في هذا التوقيت ، كانت كارمن قد وصلت بسيارتها للبوابة الخلفية للمخزن الكبير .. فترجلت عن سيارتها وتفحصت المكان جيدًا لتجدهُ مكان شبه صحاري ، قوست شفتيها بسخرية وهي تنظر لساعة يدها ، ثم همست :


- سامح بيه لسه موصلش ؟! 


   _ فكرت أن تدخل لتستكشف المكان من الداخل لحين حضور '' سامح '' .. فوجدت مكان المفتاح وكأنه تآكل من الصدأ .. أنعقد حاجبيها بذهول وهي تقول :


- محدش بييجي هنا ولا إيه ! 


     _ أخرجت المفتاح من حقيبتها وبدأت تدخله بمكانه لفتح الباب ، ولكنها وجدت صعوبة شديدة في الأمر .. لم تكل أو تمل حتى أنفتح الباب أخيرًا .. دفعتهُ بأقصى قوة ، حيث كان ثقيلًا في البداية ، ثم ولجت للداخل بحذر شديد.. 

شملت المكان بعينيها لتجد كل ما يخص مشروعها موجود بالفعل .. فتنهدت بإرتياح وتنفست براحة ، ولكن مع هذا التنفس أشتمت رائحة غريبة .. تشبهُ رائحة المواد الكحولية ( البنزين ) وغيره .. 

ضيقت عينيها وهي تدقق تركيزها بالرائحة ، ثم أحنت بصرها لتتفاجئ بأن حذائيها يغوصان في هذه المواد .. فزعت وهي تصرخ قائلة :


- هــا ! إيه ده ؟؟؟ 


   _ ألتفتت لتخرج سريعًا حتى تضمن الأمان لنفسها .. ولكنها تفاجئت بأن الباب قد أنغلق عليها وقد تركت المفتاح بالخارج ، فشهقت بفزع حقيقي وكادت عينيها تخرج عن محجريهما من فرط الخوف وهي تصيح :


- يانهار أسود !! 


            _ قام رجب بأشعال قطعة من القماش المهترئ ، ثم ألقاها على الحبل المغمور .. فبدأت النيران المضرمة تزحف على الحبل حتى وصلت للداخل ، وفي لحظات كان المخزن يحترق .. وألسنة النيران تتعالى منهُ مصحوبة بدخان أسود كثيف . 


وقبل أن يوقف ريان دراجته النارية ، وقع من عليها عقب أن رأى النيران تلتهم المخزن إلتهامًا شرسًا .. نهض سريعًا وهو يسحب أنفاسهُ بصعوبة من فرط الفزع وركض نحو المخزن مسرعًا ، وقد أنسالت خيوط الدموع من عينيه دون وعي وهو يصرخ بأسمها : 


- كــــــــــارمــــــن ! .............................................. 

............................................................... 

الفصل الواحد والثلاثون من هنا

    

stories
stories
تعليقات