![]() |
رواية حبل الوريد الفصل الواحد والثلاثون بقلم ياسمين عادل
_ ظل يصرخ بأسمها طوال ركضهُ .. حتى وصل أمام بوابة المخزن الحديدية الضخمة ..
ضرب بعنف على الباب بذراعيه وجسدهُ ، ولكنهُ لم يتحمل السخونة الحارقة المنبعثة من باب المخزن ..
ولم تفلح محاولاته ، نادى عليها وهو يضرب بقبضتيه على الباب لعلها تستمع إليه ولكن دون فائدة ..
كانت كارمن تصارع الموت في هذه اللحظات العسيرة ، خلعت عنها حذائها وألقته بعيدًا .. وأختبأت خلف شكائر الأسمنت والجبس والمساحيق الأخرى الخاصة بالبناء والتي لم يطلها أي مواد مثيرة للإشتعال ..
لم يصل صوت صراخها المدوى للخارج وسط كل هذه النيران المشتعلة .. وبدأ المخزن يتفحم رويدًا رويدًا ، والنيران تزداد إشتعالًا وتلتهم كُل ما حولها ..
وصلت السخونة وحرارة الإنصهار العالية لجسدها ، فشعرت بإقتراب النار منها .. حالة من الفزع سيطرت عليها وهي تضم ذراعيها لصدرها بخوف شديد .. وكأن العرق فيض من جسدها المتوهج .. تشعر باقتراب الموت ، هي ميتة لا محالة ، تنفست بصعوبة وبدأ صدرها يضيق ..
سعلت بشدة من رائحة الدخان ، وكأن صدرها يطبق على أنفاسها ولا تستطع إلتقاط شهيقًا واحدًا ..
بدت الرؤية مشوشة ورأسها بدأت بدوار شديد .. فلم تستطع تحمل أكثر من ذلك .. وسقطت هاوية لتصطدم رأسها بالأرضية إصطدامًا عنيفًا ..
ولم تشعر حتى بالنيران المُضرمة من حولها ، وكأن الموت حام فوق رأسها .
_ جاب المكان كله إيابًا وذهابًا يبحث عن مخرج أخر لهذا المخزن اللعين .. حتى لمح بوابة أخرى من الخلف ، فركض نحوها بهلع ، تفاجأ بالمفتاح موجود في القرص مكانهُ .. فحاول فتحهُ بعنف أثر هياجهُ .. حتى أنكسر المفتاح داخل القرص ولكن بعد فتحهُ مباشرًة ، دفعهُ لتخرج سخونة بشعة من الداخل .. لم يهتم ودخل وهو يصرخ بإسمها ، منعتهُ النيران من الرؤية .. وهذه الأبخرة السوداء السامة أصابت عينيه بالإحمرار والدموع .. لم يظهر لها أثر وهو يبحث ، حتى إنه توجه نحو هذه الشكائر التي لم تمسسها النيران في الزاوية وأفرغ محتوياتهم في الهواء وبإتجاه النار علها تنتطفئ ..
فلمح شيئًا ما خلف هذه الشكائر ..
ألتفت حوله ليدقق النظر ، فإذا بها ملقاه دون وعي ..
لم يستطع الدخول لضيق المكان فسحب ساقيها للخارج وبسرعة خاطفة انحنى ليحملها بين ذراعيه ..
وركض بها للخارج مسرعًا ، أبتعد بها وهو يركض ويركض حتى لا يصيبهم مكروه .. حتى خانتهُ سيقانهُ وسقط بها على الأرضية ، تكاد أنفاسهُ تتوقف من هول ما يعايشهُ ..
نظر نحوها بدموع وهو يقول :
- كارمن ، ردي عليا ياحببتي .. ردي عليا والنبي !!
أنا السبب ؟ والله ما كنت أقصدك انتي ..
_ وجهها شاحبًا ملوثًا ببعض الشحوم السوداء ، وساعدها طالهُ الإحتراق .. فكشف عن طبقات جلد داخليه ، وتلوث ما حولهُ بالدماء .. بكى بكاءًا حقيقيًا وهو يهز رأسها قائلًا بحُرقة :
- قومي اتخانقي معايا ، بهدليني .. قومي اضربيني زي قبل كدا ! بس قومي عشان خاطري !
كارمن ، مش بتردي عليا لــــيه ؟؟؟
_ أقترب بأذنهُ من أنفها ، فأحس بسخونة أنفاسها الضعيفة .. أمسك رأسها ومسح على بشرتها وهو يهمس :
- كارمن ! أنا ريان حبيبك .. سمعاني ؟ فتحي عينك طيب ! أعملي أي حاجة وحياتي عندك !
_ فكر في نزع هذا الوشاح القرمذي الذي يطبق على عنقها لتتنفس براحة .. واجتهد ليمنع إنفعالهُ وغضبه من التأثير عليه وهو ينزعهُ فـ يخنقها ،
وما أن نزعهُ حتى تلألأت أمام عينيه تلك القلادة التي أهداها إياها في عيد مولدها السابق ، تُزين نحرها البض .. لمعت عيناه بوميض غريب وهو يتحسسها ، وكأنه أخذ جوابًا مباشرًا منها ..
هي لم تتخلى عنه يومًا ، لم تنساه .. ولم تفرط بشئ يخصهُ ، كُل ما حدث لم يجعلها تنتزعه من داخلها ، وإنما كبريائها وعنادها الأخرق هو الذي زج بهم في هذا الواقع المرير ..
أحتضن رأسها الثقيلة بين ذراعيه واستند برأسه على رأسها وهو يتسأل بصوت أشبه الآنين :
- ليه كدا طيب ! ليــه ؟ ؟
_ سائل ساخن شعر به يلامس ذراعهُ المحتضنة لرأسها .. فابتعد وغرز أصابعهُ برأسها ورفع كفهُ أمام عينيه ليصطدم برؤية الدماء التي أنغمس فيها كفهُ ، أتسعت عيناه بذعر وهو يحملق بها .. وكأن عقلهُ مشلول عن التفكير ،
وأخيرًا قرر النهوض ، الذهاب بها لأي مكان .. ولكن لن يبقى هكذا مكتوف الأيادي ..
نهض وحملها سريعًا وركض ، ركض .. حتى وصل لدراجتهُ ، أسندها على الأرضية ورفع الدراجة ..
كابد العناء والمشقة ، وبصعوبة بالغة .. إستطاع أن يستقل الدراجة وأجلسها على حجرهُ ، ورأسها مسنودة على صدرهُ ..
مغامرة حتمًا ستبوء بالفشل ، ولكنه غامر وفعلها ..
قاد الدراجة بأقصى سرعة نحو مشفى الطوارئ القريبة ..
وطوال طريقهُ لم يكف عن محادثتها بمكنونات قلبهُ .. لم يتوقف عن النداء بأسمها وهو يرجوها تعيش ..
فكل ما سيطر على عقلهُ بهذه اللحظة إنها على وشك الموت ، بل ستموت بالفعل ..
_ وصل سامح بصحبة سائقين النقل وسيارات النقل الكبيرة كما أتفق معها .. ولكنهم تفاجئو بتلك النيران الظاهرة لهم من بُعد ، فـ ارتجف سامح وهو يقول :
- ياليلة مش طالع ليها شمس ! المخازن بتتحرق !
السائق وهو يقترب بعربتهُ نحو محل المخزن : ياساتر يارب ، ألطف بينا يارب
_ ترجل السائق من عربتهُ بعد أن أوقفها ، وراح يأتي بمطفأة الحريق من المؤخرة .. وتبعهُ زميله قائد العربة الأخرى أيضًا بمطفأة أخرى ..
بدأو بضخ محتوى المطفأة بأتجاه النيران لإخمادها .. وأحدهم راح يتفقد المكان من الجهة الأخرى لعلهُ يجد مخرجًا أخر ..
وبالفعل وصل للبوابة المفتوحة تلك ، وبدون تردد وقف على أعتابها ليضخ محتوى المطفأة للداخل .. فبدأت النيران تهدأ نوعًا ما .. واستمر على ذلك لمدة عشر دقائق حتى أنطفئت النيران ..
ثم توجهُ نحو البوابة الرئيسية وحاول فتحها .. ليظهر له زميلهُ وسامح أيضًا ..
دلف جميعهم للداخل ، فشهق سامح بعدم تصديق وهو يقول :
- ياخراب بيتك ياكارمن هانم ! كل حاجة أتفحمت !!
السائق وهو ينكس رأسهُ بأسف شديد : لا حول ولا قوة الا بالله !! ربنا يعوض عليكم
_ ضرب سامح كف بكف ، وتابع حديثهُ :
- الهانم هتزعل أوي ، وتليفونها مقفول من بدري مش عارف أوصلها
_ فكر السائق قليلًا ، حك ذقنهُ بأظافرهُ وهو يقول :
- في حد كان هنا والله أعلم ، لأني لقيت الباب اللي هناك ده مفتوح !!
السائق الآخر : وباين كدا إنها مقصودة ! النار دي كلها مش من الهوا يعني !
سامح وقد أنعقد حاجبيه محاولًا التخمين : حد كان هنا !
_ سار ببطء نحو البوابة الأخرى .. وهو يتفقد المكان المتفحم ، ثم تفحص الباب جيدًا ، ليتفاجئ بالمفتاح المكسور في القرص المعدني بالباب .. ضاقت عينيه وهو يهمس :
- شكلها كدا فعلًا كان في حد هنا ! بس مين ؟
_ حانت إلتفاتهُ من رأسهُ لليسار ، ليلمح حقيبة كارمن الصغيرة ، جحظت عيناه بصدمة وهو يتحرك سريعًا نحوها ليمسك بها .. ونطق مذهولًا :
- دي شنطة كارمن هانم !
_ راودتهُ الشكوك حول إصابتها بمكروه ، فدب الذعر داخلهُ وهو يتخيل عقاب قُصي الصارم له .. فـ ارتعدت فرائصهُ وهو يخرج هاتفهُ المحمول ليتصل به سريعًا و :
- لازم اكلمه ، ده هيطربق الدنيا فوق دماغي لو عرف من بره
..............................................................
_ في مكان ما ..
بعيد عن مسرح الأحداث السابقة ،
كان قُصي يتجرع آخر رشفهُ من كأسهُ الأول من الخمر ، ثم بدأ يسكب غيرهُ وهو ينظر لصورتها بدقة مسندًا لساقيهُ أعلى سطح المكتب .. وهمس :
- أخرة العند معايا وحش ياكارمن ، أنا خايف عليكي من جنوني ! .. كفاية
_ رن هاتفهُ برقم غريب ، فـ أمتعض وجهه وضغط على الهاتف لإسكاتهُ .. ولكن توالت الإتصالات دون توقف ، فقست تعابير وجهه وهو يضغط عليه للرد الفج و :
- ألــو
سامح بأطراف مرتعشة : آآ .. قُصي باشا ، ألحقنا !
قُصي وهو يعتدل في جلستهُ : مين معايا؟
سامح : أنا سامح السيكيورتي ( فرد الأمن ) ، دلوقتي أنا روحت للمخزن بعد ما كارمن هانم أمرتني و.....
_ قصّ عليه ما حدث بشكل موجز .. لينتفض قُصي من مكانهُ وهو يصيح فيه :
- أنت بتقول إيه ياحيوان ! يعني هتكون راحت فين ؟ وإزاي متقوليش قبل ما تنفذ كلامها !
سامح بنبرة مهزوزة : هي اللي أمرتني سعاتك ، و.....
قُصي مقاطعًا بصوت صارخ : أتحرك من عندك بسرعة ودور عليها لحد مااجيلك ، لو ملقيتهاش ولا جرالها حاجة حضر كفنك ياو** ، هدفنك حـــي !
_ أغلق هاتفه والتقط سلسلة مفاتيحهُ ، ولكنهُ شعر بدوار وإهتزاز في رؤيتهُ جراء شرب الخمر .. فنفض رأسهُ بعنف ، وأمسك بزجاجة المياة ، ثم أفرغها كلها على رأسه لتتسرب إلى وجهه وأذنهُ وملابسهُ أيضًا ..
ثم خرج مسرعًا للحاق بموقع الحدث ، وداخلهُ يتمزق خوفًا عليها ..
تمادت به تخيلاتهُ لما هو أبشع !
دائمًا يكون المُحب هكذا ، يفرط في الخوف فتتقافذ الأفكار السيئة لعقلهُ .. قاد سيارتهُ بكل تهور ، ومازال متابعًا لـ سامح عن طريق الهاتف ، بمعدل إتصالين كل خمس دقائق ..
لم يكن للّه دائم الدعاء أو الرجاء ، ولكنه فعلها الآن .. دعا اللّه أن تكون بخير ، أن يلمسها ويراها من جديد ..
فهي وكأنها لهُ كُرات من الدم الحمراء ، تسري في أوردتهُ وشرايانهُ ..
هي الهلاك ، ولكنهُ بالهلاك مُرحب .
..................................................................
_ لم تكن مشفى ، بل مركز صغير للطوارئ وحوادث الطرق السريعة .. ولكنهُ لم يجد البديل عن ذلك ، أوقف دراجتهُ أمام البوابة فكاد يسقط بها عنها ، ولكنها تفادى الموقف وضغط على ساقهُ بقوة وهو يسندها بها قبل أن تسقط منه .. ثم تحرك ببطء ليتمكن من حملها وترك الدراجة ودخل مسرعًا إليهم ..
فقابلتهُ مسؤلة الإستقبال بقلق وهي تقول :
- إيه اللي حصلها !
ريان وهو ينهج بأنفاسهُ المتهدجة : شوفيلي دكتور بسرعة الله يخليكي
موظفة الإستقبال وهي تشير لأحدهم : عم مرسي ، تعالي وهات معاك ترولي بسرعة
_ تحرك العجوز وهو يجر سرير نقال خلفهُ ، فانتقل ريان بخطاه سريعًا ليضعها أعلى السرير بحذر ، ثم قال بلهجة مرتعدة :
- فين الدكاترة اللي في المخروبة دي
العامل وهو يسحبها بالسرير : مفيش غير ضاكتور واحد نباطشي دلوقتي .. بس إيدهُ تتلف في حرير وشاطر ، متعينش ( متشيلش) هم ياسي الأستاذ
_ دخل بها قسم الطوارئ بعد أن طرق الباب ، فوجد الطبيب يتحرك نحوهم بملامح مترقبة وهو يقول :
- خير يامرسي على المسا !
مرسي وهو يزج بالسرير للداخل : شكلها كدا حادثة ياضاكتور !
_ نظر ريان لحالة الغرفة المطلية بالأبيض الباهت ، فأصابه الجزع .. نظر نحوها بقلق وخشى أن يصيبها أكثر من ذلك في هذا المكان .. فوجه أبصارهُ نحو الطبيب وهو يهتف بضجر :
- بسرعة لو سمحت
الطبيب وهو يشير إليه ليخرج : حاضر ، بس حضرتك أتفضل بره
ريان وهو يصيح بأعلى صوت : أنا مش متحرك من هنا إلا على جثتي !
مرسي وهو يحاول تهدئة الأوضاع : متقلقش يابيه هتبقى بخير
_ جذب الطبيب هذا السرير المعدني الصغير ووضعهُ أسفل الضوء مباشرة .. نظر لوجهها وتفحصهُ جيدًا ، ثم قال :
- دي كانت حريقة !
ريان وهو يبتلع ريقهُ بمرارة : آه
_ فتح الطبيب أحد الأدراج الجانبية للكومود الصغير وأخرج قفازات طبية بيضاء ، ثم ارتداها على عجالة .. وبدأ يفحص رأسها وذراعيها ثم ساقيها .. فحص خارجي دون التطرق لأي جروح داخلية ، ثم حول أنظارهُ نحو ريان الذي كان يقف مرتعدًا من شدة الخوف عليها.. وقال :
- أنا مش هكدب عليك ، المستوصف هنا إمكانياتهُ بسيطة ، يعنى أقصى حاجة هخيطلها الجرح اللي في راسها وأطهر مكان الحرق اللي في دراعها .. وهحطلها أكسچين صناعي عشان نفسها مش منتظم ، لكن فحص طبي شامل وإشاعات مش متوفر ، للأسف معندناش أجهزة حديثة و.....
ريان بلهجة حازمة : أعمل أي حاجة ، وانا هبعت أجيب عربية إسعاف حالًا تنقلها أكبر مستشفى في القاهرة ، لكن اسعفها لحد ما الإسعاف توصل
الطبيب وهو يومئ برأسه متفهمًا : تمام
_ حاول الإتصال بها ، تلك الأم الروحية له '' مايسة '' علها تساعدهُ .. ولكن لم تكن الشبكة تعمل بكفاءة تسمح بالإتصال ، فخرج عن الغرفة وحاول مرارًا الإتصال بها .. حتى ردت عليه أخيرًا وجاءها صوتهُ المريب :
- عمتي ، أنا ماليش غيرك ألحقيني .. ماليش صحاب ولا اخوات أعتمد عليهم أرجوكي تتصرفي
مايسة وهي تنتفض من أسفل غطائها بتوتر : ريان !! أنت فين ياحبيبي انت كويس ؟
ريان وهو يكبح دمعة تود الترقرق من عينيه : مش كويس خالص ، كارمن هتروح مني .. لازم تبعتيلي عربية إسعاف بسرعة مهما كلف الأمر
مايسة وهي تنهض عن نومتها : فهمني بس ، وقولي انت فين؟
ريان وهو يتنفس بصعوبة : أنا على طريق الـ.... ناحية المريوطية ، في مركز صغير هناك كدا انا عنده .. بعد البنزينة بـ ٢ كيلو ، بسرعة ياعمتي
مايسة : حاضر ياضنايا ، بسرعة اهو
_ أرتدت الـ ( روب ) المخملي الزيتوني ، وخرجت قاصدة غرفة شقيقها '' طاهر '' ، ولجت للداخل بهمجية وهي تصيح فيه :
- طاهر ، قوم أصحى معايا كدا .. قوم بسرعة ألحق إبنك وروح له ، أعمل حاجة كويسة ليه
_ نهض طاهر بقلق عن الأريكة ونظر نحوها بتوتر وهو يتسائل :
- فيه إيه !
..................................................................
_ كان مشهدًا مؤلمًا له ، وهو يرى الطبيب ينغز جلد رأسها بالأبرة الطبية الرفيعة لخياطة الجرح الغائر بها ..
أشاح برأسه بعيدًا وهو يغمغم بنبرة باكية :
- أنا السبب ، أنا السبب !
_ كل ذلك وهي فاقدة للوعي ، حتى حقنها بالمخدر لم تشعر به .. كتم شهقاتهُ وهو يتابعها بعينيه ، يرجوها بقلبهُ أن تفتح عينيها فقط .. وإن كان الأمر بسيطًا وتحت السيطرة ، لا يقوَ على تحملهُ طالما إنهُ يخصها ..
إنتهى الطبيب من خياطة الجرح وبدأ بتنظيف ساعدها مكان الحرق .. وأثناء ذلك نطق بـ :
- على فكرة ياأستاذ ، الحرق ده هيسيب أثر
ريان وقد جحظت عينيه بذهول : أثر !
الطبيب وهو يمسح على الحرق بالمطهر الموضعي : طبعًا هيسيب ، ممكن لو قادر تعملها تجميل .. وكله يتحل يعني !
ريان وهو يهز رأسه بموافقة : مش مهم ، أعملها أي حاجة، بس تبقى كويسة
_ قام سامح بعملية مسح شاملة للمنطقة ، عسى أن يجدها ! ولكن دون فائدة .. صاحبهُ السائقين في جولتهُ عقب أن بشرهم بمال وفير عقب إيجاد الجميلة المفقودة .. وأثناء سيرهم بالعربة الكبيرة ، أشار السائق نحو المركز الصغير وهو يقول :
- طب ما نشوفها هنا ، يمكن جرالها حاجة
سامح وهو يطل برأسه من النافذة المجاورة له : طيب ياريس وقف خلينا نجرب حظنا
_ أشار السائق لزميله حتى يتوقفا أمام المركز ، ثم ترجل سامح مسرعًا وانتقل للداخل ، وتسائل عنها بالإستقبال ..
لتبشرهُ الموظفة بوجودها هنا منذ أقل من ساعة .. تنهد سامح أخيرًا وقام بمهاتفة قُصي ليخبرهُ .. لعل ثورتهُ تهدأ و :
- لقيتها ياباشا ، في المستشفى الصغيرة اللي بعد البنزينة
قُصي وهو يزيد من سرعة سيارتهُ : متخليهاش تتحرك من عندك لحد مااجي ! أنا جاي في أقل من نص ساعة
_ أغلق سامح الهاتف ليجد موظفة الإستقبال تسأله بفضول :
- إلا قولي ياأستاذ ، هي البنت اللي جوا دي واحدة مشهورة يعني ولا معروفة عشان كل الهلومة دي !
سامح وقد أكفهر وجهه بإنزعاج : وانتي مالك ياست انتي !
قوليلي هي جات لوحدها ولا حد جابها!
الموظفة وهي تنط شفتيها بإستنكار : لأ ، جابها واحد طول بعرض كدا شكلهُ يشرح القلب
سامح وهو يفرك عنقهُ بإرتباك : ياليلة مش فايتة ! أكيد هو !
_ أشار للسائقين ليظلو بمحلهم ، ثم ولج للداخل ليستكشف الأمر .. كان الطبيب قد فرغ للتو من تغليف ساعدها بالشاش الطبي الأبيض ، وتوجه نحو ريان ليقول بهدوء :
- هي بخير مفيهاش غير حجات سطحية ، ومفيش داعي لكل القلق ده حضرتك
ريان وهو ينظر نحوها معاتبًا حالهُ : طب ينفع اخدها دلوقتي!
الطبيب وهو ينظر نحوها بتفكير : أنا منصحكش تتحرك بيها لوحدك ، ممكن يكون في كسور ورضوض وانا مكتشفتهاش أثناء الكشف لأننا معملناش إشاعات .. يستحسن لو استنيت الإسعاف اللي طلبتها
_ ظهر سامح من خلف ريان ليتسائل بقلق :
- هي كويسة يادكتور ، طمني اللهي يكرمك
الطبيب وهو يرمقهُ بتفحص : بخير
_ أصوات ضجيج بالخارج ، وكأن المركز إمتلئ بحشد من الناس فجأة .. أطل ريان برأسه خارج الغرفة ليجد والدهُ وأخيه على رأس المتواجدين .. وبينهم رجالًا يرتدون ملابس رسمية ، زرقاء قاتمة تمتزج بخطوط خضراء فاقعة ..
فعلم إنهم رجال الإسعاف ، توجه والدهُ نحوه مسرعًا وحاوط ذراعيه وهو يتفحصه قائلًا :
- أنت بخير يابني ! جرالك حاجة؟
ريان وكأنه على حافة الإنهيار : كويس
مراد وهو يصيح في والدهُ بتعنيف : يعني مصحيني في نص الليل ومجرجرني وراك يابابا عشان نيجي نلاقي الحيلة كويس .. وكمان جرجرنا بتوع الإسعاف ورانا ودفعت الشئ الفلاني عشانه و......
طاهر وهو يلكزهُ بعنف في صدرهُ : أخرس ولا كلمة ، عايز تمشي أمشي يابراوي ، يابن أمك
_ لم يكن في حالة تسمح له بالعراك أو الإحتداد معه في الحوار .. فتجاهلهُ تمامًا وأشار نحو رجال الإسعاف وهو يصيح بصوت خشن :
- تعالى لو سمحت بسرعة وهات ترولي معاك ، في واحدة لازم ننقلها على أكبر مستشفى دلوقتي حالًا
طاهر وقد تبدلت ملامحه : واحدة ! مين دي يابني
ريان بثبات ودون النظر لوالدهُ : كارمن
_ كان سامح يراقب الوضع بصمت ، ولكنه نطق أخيرًا عقب أن علم بمخطط ريان والذي تضمن الإنصراف بها .. فقال بحذر :
- آآ .. من فضلك ياأستاذ ريان ، الهانم مش هينفع تسيب المكان
_ تجاهلهُ ريان ، ودفعهُ بعنف للخلف ، حتى يسمح لرجال الإسعاف بالمرور للداخل .. وبعد أن قام المسعفين بحملها على السرير النقال ، تحركو بها للخارج ..
وقف سامح في مواجهتهم ليمنع إنصرافها ، خوفًا من بطش قُصي .. وقال بنبرة مهزوزة :
- قُصي باشا لو جه ولقاك خدتها هيطين عيشتي
_ لكمهُ ريان لكمة مؤلمة وكاد يسدد له المزيد لولا أن طاهر شكلّ حائلًا مانعًا أمامهُ ، جعلت تلك اللكمة خيط من الدماء يسيل من أنفهُ .. فـ صاح فيه بإنفعال ضاري :
- البوكس ده وريه للكبير بتاعك وقوله انا معرفتش أقف قدام ريان .. وخليه يجيني وانا اوريه
_ دفعهُ جانبًا ليمر رجال الأسعاف بمحاذاتهُ .. ثم تعقب أثرهم وعيناه معلقتان عليها ، بينما نظر طاهر لذلك الغريب '' سامح '' ثم تركه وانصرف ومن خلفهُ مراد الذي نمّت ملامح وجهه عن إنفجار وشيك .. خاصة بعد أن ترك أخيه مبلغًا وفيرًا من المال نظير إسعافها ، دون الإهتمام بـ الكمّ المدفوع .
صعد رجال الإسعاف للعربة بعد أن أستقر السرير الحامل لها في منتصف السيارة ، وتسائلو :
- حد هيركب معاها ياجماعة ؟
ريان وهو يتأهب للصعود : أنـا
طاهر بصوت خشن يشوبهُ الإعتراض وهو يقترب منه : يابني أركب معانا وهنمشي وراهم
ريان وهو يصعد لقلب السيارة : لأ مش هقدر ، أمشوا انتو
_ أغلق المسعف باب السيارة وبدأ السائق بالتحرك ، في حين استقل طاهر سيارتهُ مسرعًا ليلحق بهم وجوارهُ مراد ..
كان في ذروة غضبهُ ، وظهر ذلك في تأففهُ المتكرر ، تجاهله والدهُ تمامًا ، ولكنهُ أضجر منه فصاح به :
- كفاية نفخ زهقتني
مراد بلهجة عدوانية صريحة : مش عارف انا إحنا نمشي ورا الإسعاف اللي بتنقل بنت الدغيدي ليه ! هـه ؟ ما تروح في داهية إحنا مالنا
طاهر وهو يطبق بأصابعهُ على عجلة القيادة : عشان أخوك مش عشانها ، البت متلزمنيش في حاجة
مراد وقد تلوت شفتيه بإزدراء : إبنك مش هيهمد غير لما قُصي يولع فيه وفينا !
طاهر وهو يصيح فيه بنفاذ صبر : وهو ماله ومال الزفت ده !
مراد متهكمًا : بيحبها ، الزفت ده بيحبها .. ومستعد يعمل أي حاجة عشان بس ترضى عنه ، فكرك لو عرف باللي حصل هيسكت ! ده هيطربقها
طاهر : الكلام معاك يقصر العمر يامراد ، وقلتهُ أحسن
مراد : أديني سكت
_ لمعت رأسه بفكرة خبيثة ، فابتسم من زاوية فمهُ وأخرج هاتفهُ من جيب معطفهُ وبدأ بتشغيل تطبيق المحادثات الشهير ( واتساب) ، ومن ثم بدأ في مراسلة '' قُصي '' عن طريقهُ ليصل هو إليهم بسهولة ..
وبعد أن أرسل رسالة صريحة له بتواجد كارمن معهم ، أغلق هاتفهُ ودسهُ من جديد في جيبهُ .. واستند على النافذة بذراعهُ مرتاحًا ، لما هو قادم ..........................
................................................................
