رواية حبل الوريد الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم ياسمين عادل


رواية حبل الوريد الفصل الثاني والثلاثون بقلم ياسمين عادل

        _ مصارعة على الطريق وهو يحارب من أجل الوصول سريعًا ، لم يكن يعلم بوجود ريان في الأمر .. 

كُل ما وصل إليه إنها بالمركز الطبي الصغير ، 

وصل بسيارتهُ أمام المكان المنشود ، وترجل عن سيارتهُ ليركض إلى الداخل .. 

حاولت موظفة الإستقبال إيقافهُ ، ولكنه دخل مباشرة لقسم الطوارئ ظنًا منه إنها بالداخل ..

بحث عنها بعينيه فلم يجدها، وجد سامح فقط .. والطبيب يضع لهُ دهان طبي للتخفيف من حدة اللكمة التي تلقاها .. 

أندفع گالثور ناحيتهم ، ودفع الطبيب بهمجية ليقبض على تلابيب ذلك الـ سامح، ثم صاح فيه :


- هي فين ! راحت فين يا***

سامح وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة جراء إطباق يدي قُصي على عنقه : آ.. خـ ـدها ، ومـ... شي ، آآه


     _ تدخل الطبيب وهو يهدر بصوتهُ :


- انا هعملك محضر لو جراله حاجة وهوديك في داهية 

قُصي وقد اشتعلت نظراتهُ وهو يحدجهُ بقسوة : مين ؟ أنطــــــق وقول ميــن ؟؟ 

سامح : ريــ... ــان ؟! 


        _ أتسعت حدقتاه عن آخرهما .. وابتعد بيداه عنه وهو في حالة من الصدمة غير مدركًا ما قيل له للتو ! 

هل حقًا أخذها وانصرف ؟! متى وكيف وصل لها !! 

غرز أصابعهُ في خصلات شعرهُ المشعث وهو يقول بهدوء مُخيف :


- عرف منين ؟ 

سامح وهو يحك رقبتهُ بتألم : وربنا مااعرف ، أنا جيت لقيتهُ هنا وهو اللي جابها كمان ! وبعد كدا ضربني وخدها على مستشفى في القاهرة بس وربنا مااعرف مكانها


        _ وزع الطبيب أنظارهُ بينهما ، وهو لا يزال جاهلًا بتفاصيل الموضوع .. فقوس فمهُ وهو يقول بإمتعاض :


- أيًا كانت خلافاتكم ، حلوها بعيد عن المستوصف هنا


     _ خرج قُصي والشر يتقافذ من عينيه ، لقد انتوى به شرًا ولن يتركهُ .. فقد تعدى حدود المسموح به .. 

خرج مسرعًا بإتجاه سيارتهُ ، بحث عن هاتفهُ بداخل جيوبهُ ولكنهُ لم يجدهُ .. فاستقل مقعدهُ الأمامي سريعًا لكي يبحث عنهُ ، حتى وجدهُ .. 

بدأ بتشغيلهُ قاصدًا الإتصال بـ مراد .. ولكنه وجد الإجابة قبل مجرد التنفيذ ، فقد وجد إشعارًا بتلقي رسائل عبر تطبيق واتساب الشهير .. 

فقام بفتحها ، ليجد مضمونها وجود كارمن بصحبتهم .. 

كز بعنف على أسنانهُ حتى أهتز صدغيه .. وقبل أن ينكسر الهاتف من إطباقهُ العنيف عليهُ ، تركهُ .. 

نظر أمامهُ بنظرات غير مطمئنة ، والغليان وصل لذروتهُ في صدرهُ .. 

هي معهُ الآن ، أمام عينيه ، يهنأ برؤيتها ويتنعم بملمس كفها الناعم .. أي غيرة هذه التي أكلت داخله !! 


................................................................... 


            _ لم يُحيد ببصرهُ عنها يمينًا أو يسارًا .. 

مسلطًا بؤبؤيه عليها وهي غافية لا تدري .. 

كم ستطول غيبوبتها ! ؟ لا يعلم .. 

كل ما يعلمهُ إنه يود تمزيق حالهُ ، لما تسبب فيه من أذى غير مقصود لها .. 

لقد كان الحظ سيئًا معهُ مرتان متتاليتان ! حاول قتل والدها فأصاب كفها ، وحاول الإنتقام من قُصي فكاد يخسرها للأبد وتموت محترقة بنيران إنتقامهُ .. 

أطبق عينيه بقوة يعتصرهما ألمًا .. 

حتى لاحظ المسعف هذه الحالة العصبية والنفسية الصعبة التي يمر بها .. فأراد أن يطمئنهُ بإستقرار وضعها و :


- متقلقش ياأستاذ ، هي كويسة مفيهاش حاجة

ريان وهو يهز رأسه متفهمًا : شكرًا


      _ أغراه مشهد كفها المسنود أعلى بطنها .. أراد أن يتحسس ملمسهُ الناعم فيعود بالزمن للوراء .. 

بسط يدهُ ليلمسهُ ، ثم خلل أصابعهُ بداخل أصابعها .. 

وظلا متشابكين هكذا حتى وصلت العربة أمام البوابة الرئيسية للمشفى الخاص .. 

بدأ المسعفين في نقلها للداخل ، وأثناء ذلك .. 

أصدرت أنينًا خافتًا متألمًا .. وهي تحرك رأسها المصابة .. 

فدبت الحياة داخلهُ وهو يتحرك خلفهم أثناء قيادتهم السرير النقال .. وتسائل متلهفًا :


- هي فاقت ! صحيت وقالت آه .. مش كدا ؟ 

المسعف وهو يزج بالسرير داخل المصعد : أيوة ، بدأت تفوق أهي

ريان وقد ارتفع الأدرينالين في دمهُ ليتنفس بسرعة : الحمد لله يارب ، الحمد لله 


       _ تحرك بهم المصعد للطابق الثاني .. ثم سحبوا السرير ليكون بداخل أحد الأقسام ، ثم وقف المسعف فجأة وهو يقول :


- من فضلك ممنوع حد يدخل هنا 

ريان غير عابئًا بهم : لأ هدخل معاها

المسعف محاولًا إقناعهُ بهدوء : ياأستاذ سيب الدكاترة يشوفو شغلهم ، وهي كويسة متقلقش


      _ سيطر على حاله وإنفعالاته .. فقد اطمئن شيئًا ما على وضعها ، ولكنه مازال قلقًا .. 

تركهم يدخلون بها ، ووقف يهز ساقهُ بتوتر .. حتى لحق به والده وأخيه .. 

حاول '' طاهر '' مواساتهُ ببعض الكلمات ، عله يهدأ :


- يابني ليه تاعب نفسك كدا ، ماهي كويسة؟ 

ريان : ........... 

طاهر وهو يتنهد بسئم من تصرفاتهُ : طب كلم حد من أهلها خليهم ييجوا ! 

ريان بنبرة غير قابلة للمناقشة : أنا هنا جمبها 

مراد وهو يهمس لوالدهُ : إبنك بقى مجنون بالبت خلاص ! 

طاهر : يلعن الحب وسنينه


       _ تلقى مراد رسالة إلكترونية .. فابتعد عن المحيط ليتفحص هاتفهُ ، فوجد رسالة من قُصي ، يسأل فيها عن مكانهم تحديدًا ..فقام مراد بإرسال رسالة تحمل الموقع ، ثم أغلق هاتفهُ منتظرًا لتلك اللحظة بفارغ صبر . 


  _ بينما خرجت الممرضة إليهم لينتقل ريان نحوها مسرعًا وهو يتسائل :


- في حاجة ولا إيه ؟ 

الممرضة وهي تمد يدها له : لأ يافندم ، دي السلسلة والخاتم اللي كانت لبساهم .. عشان بنعمل إشاعات مقطعية


    _ ألتقطهم منها ودقق ببصره فيهم .. لا يكفيه نظرة .. 

فقربهما من أنفهُ ليشتم عبقها الممزوج بهما ، في حين ظل طاهر مراقبًا له بصمت .. متعجبًا لهذا الحب الذي لم تنهيه الظروف ، ولم يتغير .. 

لم يختفي ، ولم تقوَ الأحداث الراهنة والسابقة على القضاء عليه . 

    

................................................................ 


    _ فشلت محاولات '' لطيفة '' في الوصول إليها بعد أن تأخرت ع العودة .. فظلت على هذا القلق بمفردها ، 

كذبت على كريم بشأن وجود كارمن في غرفتها نائمة ، والآن تعاتب حالها على هذه الكذبة .. 

فلو كانت قد أصدقتهُ القول ، لكان يبحث عنها الآن ! 

ولكن ماذا تفعل !! 

فكرت في الإتصال بـ قُصي ، ولكنه مجنون متهور ، بجانب بغض كارمن له خاصة بالآوانِ الأخيرة .. 

لذلك لم تجد سواه .. هاتفت ريان ، ولكنها لم تفصح له عن نواياها ، تعمدت إظهار نبرة طبيعية كاذبة ، ولكنه تفهم المقصد وراء إتصالها .. و :


- أنتي متصلة عشان تطمني عليا بس يادادة ! 

لطيفة بلهجة مترددة : آه يابني ، أ صل ....

ريان بتنهيدة مختنقة : هي كارمن فين دلوقتي ؟؟ 

لطيفة وهي تعض على شفتيها بإرتباك : آ فوق! في أوضتها

ريان ببسمة ساخرة : فوق فين !! إذا كانت موجودة معايا هنا !؟ 

لطيفة وقد حدقت عيناها بعدم تصديق : معاك ! معاك فين؟ 

ريان : متقلقيش ، هي بخير .. أتعورت بس والدكتور بيربطلها الجرح

لطيفة وهي تضرب على صدرها بقوة : يانصيبتي ! دكتور ومتعورة ؟ طب انتو فين وانا جيالكو !!

ريان : لأ لأ ، خليكي مكانك وياريت محدش يلاحظ ، متقلقيش عليها انا موجود 


     _ خرج الطبيب أثناء ذلك، وبعد نصف ساعة من الإشاعات الشاملة والفحوصات .. 

فأنهى ريان المكالمة بعجالة وراح يخطر نحوه متعجلًا لـ :


- طمني يادكتور هي عاملة إيه ؟ 

الطبيب وهو يشبك أصابعهُ سويًا : هي كويسة مفيهاش حاجة تقلق .. الجرح اللي راسها هيتعبها شوية الفترة الجاية لكن الموضوع هيتحل بالمسكنات

ريان : طب والحرق اللي في دراعها !؟ 

الطبيب : أنسب حل هو عملية تجميل ، لكن بعد ما صحتها تتحسن ، وفي حاجة كمان 

ريان بترقب شديد : إيه هي ؟! 

الطبيب : هي عندها فقر دم ( أنيميا ) ، ده ناتج عن نقص الحديد ونقص ڨيتامين '' د '' ياريت حد يهتم بغذاها الفترة الجاية

ريان : حاضر ، بس آ .... 


     _ سحب ريان الطبيب بعيدًا عن والده وأخيه ، ثم بدأ يهمس له بخفوت :


- من فضلك عايز منك حاجة في مصلحتها

الطبيب : أتفضل

ريان : ياريت متسمحش ليها بالخروج اليومين دول خالص ، لأنها لو خرجت هتهمل في نفسها وجرحها ، خليها هنا تحت الملاحظة وكأنها تعليماتك

الطبيب وهو يهز رأسه بإستيعاب للموقف : فهمت ، خلاص مفيش مانع

ريان : هي فين دلوقتي ؟ 

الطبيب وهو يشير بيدهُ لآخر الرواق : موجودة في غرفة ١٦٦ ، تاني أوضة في أول يمين هيقابلك

ريان بنبرة ممتنة : شكرًا ، عن أذنك


        _ تركه وراح يذهب إليها متلهفًا .. وقف لحظات أمام باب الغرفة ، لا يريد رؤيتها هكذا وهي على تلك الوضعية .. ولكنه لا يستطيع كبح جماح رغبتهُ في رؤياها .. 

فتح الباب وأطل برأسه ليراها راقدة على الفراش ، ترتدي ثوبًا أبيض طبي بنقوش زرقاء صغيرة .. 

ولج بهدوء ، واقترب منها .. رأسها الملفوف بالشاش الأبيض جعلتهُ يقشعر ، بحث عن مقعد قريب ، فوجد مقعد خشبي مبطن بالجلد .. 

سحبهُ وجلس جوارها ، تمعن في لون بشرتها الذي احتفظ بنضارتهُ رغم ما حدث .. 

ولم يمنع نفسهُ من لمس جلد وجهها الأبيض المتورد .. 

جميلة هي في كل حالاتها ، وحتى المرض .. 

بل إنه زادها جمالًا ، فهي تنام الآن أمامه بسكينة وهدوء .. 

وهو مستمتعًا برؤية هدوءها الذي افتقدهُ في الفترة الأخيرة.. تذكر كيف كان سيفقدها ، وكيف مرت عليه اللحظات العسيرة السابقة.. 

لم يعايش خوفًا گهذا في حياتهُ ، كانت تلك الساعات هي الأصعب على الإطلاق .. هربت دمعة راضية من عينيه وهو يحمد الله على سلامتها في نفسهُ .. 

ثم أحنى رأسها ليستند بها على كفها .. قبّل كُل أصبع على حدا ، ثم همس بخفوت :


- كنت هموت وراكي لو كان جرالك حاجة ! 

سبحان من صبرني وخلاني أقدر أتحمل 


    _ بدأت تشعر بما حولها .. ألم رهيب يغلف جمجمتها ورأسها ، ولكنها لم تستطع حتى التأوه .. نغزات ووغزات حادة تقطع برأسها .. ولهيب ينمو ويشتعل بذراعها المحترقة ، أرادت أن تتحرك .. ولكن ثقلًا شديدًا يجثو عليها ، وأثناء عراكها مع عقلها الباطل .. بدأت تستمع لكلماتهُ العاشقة لتخترق أذنها :


- اللي عملتيه في حياتك معايا كوم ، والنهاردة كوم تاني خالص .. إنتى كأنك أديتيني قلم تاني ! 

مكنش نفسي نكون هنا دلوقتي ، مكنش نفسي يكون ده وضعنا مع بعض .. بس ابوكي السبب وانتي من بعدهُ


     _ فتحت عينيها أخيرًا ، ولكن ببطء شديد .. لمواجهة هذه الإضاءة المنبعثة من فوقها ، ووضعت كل تركيزها في حديثهُ الذي تستمع إليه :


- تفتكري ممكن نرجع ؟ ليه لأ ؟ 

ليه مترجعيش ياكارمن ؟ 


      _ رفع رأسه ليراها ، فوجدها تنظر إليه بعينين مرهقتين .. أنتفض واقفًا .. وانحنى بجسدهُ عليها ليسألها ببلاهة :

- كـارمن إنتي فتحتي ، إنتي شيفاني ! 


    _ لم تستطع أن تهز رأسها الثقيلة ، فأمسك هو برأسها وهو يعيد سؤاله :


- سمعاني ياحببتي ؟! كلميني

كارمن وهي تصرخ بقوة : آآه ، راســي ! 

ريان وهو يبعد بيديه فجأة : آ آسف والله ، نسيت

كارمن وهي تتحسس رأسها : آآه ، راسي فيها إيه ! آه !! 

ريان وهو يمسح على وجهها بحنان : بــس ، أهدي


       _ أطبقت جفنيها وهي تحاول تذكر ما حدث ، وتجميع خيوط الأمر .. لم تقوَ على فتح عينيها ، فقامت بالضغط على قواها العقلية لتتذكر .. 

وأخيرًا بدأت تستجمع الأحداث ، وكأنها شعرت بالحرارة تدب في جسدها على أثر إسترجاع مشهد النيران أمامها .. 

فـ انتفضت فجأة على أثر إرتفاع الأدرينالين في جسدها ، وتحركت وهي تقول :


- المخزن اتحرق ، آآه

ريان وهو يثبتها في الفراش بذراعيه : المهم إنك بخير ، في داهية أي حاجة


   _ أستشعرت جفاف حلقها .. فتأوهت بجزع وهي تقول :

- أكيد قُصي اللي حرقه ، هو اللي عملها ! 


     _ كيف له أن يواجهها بحقيقة الأمر ؟! كيف له أن يصرح بإنه وللمرة الثانية كاد يقتلع روحها من جذور جسدها ! 

الأمر جمّ صعب عليه وعليها .. 

ضغط على كتفيها لتعود للإسترخاء على الفراش ، ومن ثم قال بخزي :


- لأ مش هو ، أنا


    _ لحظة صمت ثم قال :


- انا اللي حرقتهُ


    _ أبتسمت رغمًا عنها بسخرية من حديثهُ ، فشعر هو بعدم تصديقها له .. ضم شفتيه بإنزعاج من حالهُ ثم أكد على حديثه :


- مش بهزر ، أنا اللي حرقته .. لكن مقصدتش أبدًا أذيكي أو أبوظلك معداتك


     _ حدقت فيه بصدمة شديدة .. ورمشت عدة مرات بعينيها وهي ترمقهُ بإستنكار ، وهتفت :


- آآ .... أنت ! أنت اللي كنت هتموتني؟ 

ريان وهو يهز رأسه لينفي عنه هذه التهمة البشعة : لأ ، عمري ما اقدر اعملها .. آ انا مكنتش أقصدك انتي

كارمن وهي تقبض جفنيها بمرارة : قبل كدا مكنتش قاصدني أنا برضو


     _ أنحنى عليها بجسده ليحاصرها .. أبعدت ناظريها عنه لتتحاشى النظر إليه ، ولكنه وجه رأسها إليه مرة أخرى ونطق بشجاعة :


- أنا بحبك ، عمري مااقدر أذيكي عمري ! 

مهما كان بينا .. أياكي تفكري إن أذيتك حل بالنسبالي

كارمن بصوت متقطع : ليه ياريان ! 

ريان وهو يبتعد ليصيح بصوت مشحون : عشان أربي أبن الـو*** ده ! عشان أديلهُ درس عمرهُ


   _ تحسست عنقها وهي تتنحنح بتألم ، فـ اقترب منها ليتسائل باهتمام :


- حاسة بحاجة ؟ 

كارمن : عطشانة 


      _ نظر يمينًا ليجد زجاجة مغلفة من المياة المعدنية ، فالتقطتها وحل عنها الغلاف الأزاز .. أسندها متعمدًا لمس كفها وبدأ يساعدها في إرتشاف المياة ، 

فتجرعت أكثر من نصف محتوى الزجاجة تقريبًا .. 

عادت تستند على الوسادة ، في حين تابع هو حديثه :


- أنا عايز أقولك حاجة ، أنا آ..... 


       _ بتر كلمتهُ ، عندما استمع لهذا الصوت المألوف إليه .. 

فضاقت عيناه وانعقد حاجبيه وهو يقول :


- ثواني وراجعلك


     _ خرج مسرعًا ليكتشف صدق حدسهُ ، إنه هو .. قُصي .. وقد بدأ الشجار للتو مع '' طاهر '' .. 

ألتهم ريان الطريق وأسرع بخطواتهُ نحوهم ، بينما تحرك قُصي سريعًا بإتجاههُ عقب أن رآه وقد أنتفخ صدرهُ من الغيظ .. صاح قُصي بصوت مرتفع وهو يشير نحوه بإحتقار :

- أنت بتعمل إيه هنا ؟؟ 

ريان وهو يقترب أكثر : إنت إيه اللي جابك أصلًا 


    _ تحرك طاهر أيضًا ليكون على مقربة منهم تفاديًا لأي عراك بينهما .. 

في حين كان متأهب كل منهما للإشتباك بالأيدى ، رمقهُ قُصي بنظرات مشتعلة قبيل أن يهتف بـ :


- خلي عندك شوية دم ، هي نفسها مش طيقاك ! 

ريان وهو يبتسم متهكمًا : أنا راضي ، بره عنك انت بس


    _ لكزهُ قُصي في كتفهُ لكزات حادة وهو يردد :


- أحذرني


    _ دفعهُ ريان من وجههُ بإنفعال ، وهو يردد :

- أبعد من هنا ياشاطر

طاهر وهو يضع ذراعهُ بينهما : إحنا في مستشفى وعيب اللي بتعملوه ده 


    _ أراد تجاوزهم للدخول إليها ، ولكنه وقف أمامهُ گالسد وقال بإحتداد :


- مش هتدخلها

قُصي وهو يدفعهُ وكأنهُ نكرة : وسع من سكتي 


      _ أغتاظ من هذه الحركة المستخفة به ، فلم يشعر سوى بقبضتهُ تصطدم بعظام وجه قُصب ليرتد للوراء .. فتشنجت عضلات الأخير واهتزت خلاياه .. أرتعش وجهه بإحتقان وهو يهجم عليه هجومًا عنيفًا ، سقط على أثره الأثنين معًا .. ليتبادلا الضربات الموجعة .. والركلات الشرسة ، 

فشل طاهر في النزع بينهما ، مهما كان فهو رجل مُسن عجوز .. ولكن كانت أصوات مشاجرتهم أصواتًا مفجعة للأطباء والمرضى بهذا الطابق .. 

فوصلت الأنباء بسرعة للأمن بوجود عراك في الطابق الثاني من المشفى، ليتسارع فردين الأمن بالصعود للأعلى .. 


نجح ريان في أن يجعلهُ أسفل منهُ ، فأطبق على ياقتهُ ليخنقهُ .. عسى أن يموت ليتخلص منهُ ، وفشل قُصي في أن يدفعهُ عنه ، فقد نفث ريان عن كل ساعات الألم والقلق والحزن التي عايشها منذ قليل في هذا الأخرق.. 

تواجد الأمن لفك هذا العراك ، وحل تشابكهم أخيرًا ليكونا في المنتصف و :


ريان وهو يلتقط أنفاسهُ المتهدجة : أمشي من هنا يا*** أحسن هـ ****** 

قُصي محاولًا الوصول إليه رغمًا عن فرد الأمن : الـ *** ده يبقى انت يابن الـ ****

ريان وهو يستعد للهجوم عليه : أشتم كمان يا**** كله بحسابه وانت عديت حساباتك معايا

فرد الأمن : أتفضلو معايا لو سمحتوا ، بدل مااتخذ إجراء قانوني ضدكم

ريان : مش متحرك من هنا

قُصي : وانا على جثتي

الأمن وهو يوزع أنظارهُ عليهم : أنا كدا هضطر أطلبلكم الشرطة 

طاهر : يابني دي خناقة عادية مش مستاهلة


     _ دفع قُصي فرد الأمن وابتعد عنهم عدة أمتار ، ثم أخرج هاتفهُ ليحدث أحدهم .. في حين أنتبه ريان لغياب مراد ، فاستشعر بفطنتهُ وجود ذيل له في الأمر .. 

تلوت شفتيه بسخرية وهو يسأل والدهُ :


- مراد فين ؟ 

طاهر : روح البيت ، عشان تاج متباتش لوحدها هي وعمتك

ريان بسخرية بينّة : لأ راجل أوي ! 


     _ كان كريم نائمًا في سبات عميق .. عندما إزدادت رنات هاتفهُ أكثر من مرة بأسم قُصي ، فاستيقظ أخيرًا لينظر لشاشة هاتفه بإمتعاض .. 

ثم أجاب للتخلص من إصرارهُ ، فبدا صوته ناعسًا :


- أيوة 

قُصي بصوت خشن : أنت فين ياسبع الرجال ؟ 

كريم وهو يعتدل في جلستهُ ليُجيبهُ بضجر : في إيه يازفت انت على المسا ! 

قُصي وقد ارتفع صوتهُ تلقائيًا : أختك في المستشفى يادكر ، وبدل ما تكون انت جمبها سايب إبن الـ *** ده معاها !؟ ونعم الرجولة! 


       _ أضاء كريم الإضاءة الخافتة المجاورة له واعتدل سريعًا ليستمع لهذه المهاترات من وجهة نظرهُ .. نظر لساعة الحائط ليجدها تعدت الواحدة بعد منتصف الليل.. فصرخ فيه بعصبية :


- إنت اتجننت ولا إيه ؟ كارمن نايمة في أوضتها ! 

قُصي بضحكة مستفزة : نايمة ! طب سلملي عليها ؟ 


        _ أغلق الهاتف في وجههُ ، في حين نهض كريم سريعًا وانتقل نحو غرفة شقيقتهُ ليستكشف حقيقة الموضوع .. 

وكانت المفاجأة إنها غير موجودة بالفعل .. 

أحمر وجههُ بغضب شديد ، وابتعد للخلف ليصرخ بصوتهُ :


- دادة ، دادة لطيفــــة ! 


.................................................................. 


       _ كان يقترب من مُحيط القصر بسيارتهُ .. عندما لمح تلك الفتاة التي يعرفها جيدًا تخرج من بوابة القصر وتستقل سيارتها .. 

ضيق عينيه بفضول شديد حتى تأكد من هويتها ، إنها هي '' ناني '' .. هي الفتاة التي رافقها لفترة وتركها ، تجمدت أنظارهُ عليها وهو يهتف غير مصدقًا :


- نانــي !! مش ممكن ؟


    _ فكر قليلًا وتجولت الأفكار في عقله ، ليقول بصوت مسموع :


- بس دي متعرفش عنواني ! إيه جابها هنا ؟ 


   _ فرك جبهته بتفكير ثم تابع :

- وبعدين إيه فكرها بيا !! 


    _ أتسعت عينيه عندما تذكر أختهُ '' تاج ''، واحتمالية تعلق الأمر بها .. أنفرجت شفتاه بذهول ، ثم نطق :


- تاج ! دي ليلتها سودا معايا لو طلعت تعرفها  


     _ تقدم بسيارتهُ من البوابة بعد أن أطمئن من إختفائها ، وانتوى بأختهُ شرًا لو أن لها صلة بتلك الفتاة الفاسدة ....... 

.................................................................... 

.............................. 

الفصل الثالث والثلاثون من هنا


stories
stories
تعليقات