رواية حبل الوريد الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ياسمين عادل



رواية حبل الوريد الفصل الثالث والثلاثون بقلم ياسمين عادل



        _ وأخيرًا بدأ ألم الرأس والتشنجات الدماغية بالإنفصال عنها .. عقب أن أعطتها '' ناني '' نصف قرص مُخدر ، وادعت إنه مسكن قوي للآلام .. 

وضعت رأسها على ظهر المضجع لتستريح قليلًا ، فقد عانت في الساعات السابقة من هذه الآلام المتفرقة برأسها وأكتافها ومؤخرة رأسها تحديدًا .. 

والآن هي تشعر بحال أفضل وأحسن .. 


أهتز هاتفها المسنود على الكومود ، فمدت يدها لترى من المتصل ، وإذ به شقيقها يتصل بها .. 

ردت عليه وهي تجتهد لإظهار نبرة طبيعية حتى لا يشعر بالريبة و :


- أيوة ياريان ، طمني كارمن كويسة ؟ 

- أيوة هي بخير ، انتي عامله ايه طمنيني عليكي

تاج بصوت طبيعي : انا كويسه الحمد لله عمتي لما قالت لي على اللي حصل انا زعلت اوي

ريان وهو يتنهد بضيق : ربنا يعديها على خير ادعيلها عشان خاطري

تاج بنبرة متمنية : ربنا يقومها بالسلامة يا رب

ريان بفضول شديد : تاج هو مراد عندك ؟

تاج وقد انعقد حاجبيها بتعجب : لا مش عندي ليه بتسأل؟ 


       _ أبتسم ريان بسخرية وهو يردد :


- أبدًا مفيش


      _ في هذه اللحظة تحديدًا ، ولج مراد بشكل همجي للحجرة دون القرع على الباب .. وهدر بصوت خشن عالي :


- إنتي يابت ، الزبالة اللي شوفتها خارجة من هنا دي تعرفيها منين ؟ 


    _ أنتفضت تاج بفزع عقب هذه الحركة المباغتة ، حتى أن الهاتف سقط من بين يديها وهي تقول بتعلثم :


- إنت إزاي تدخل عليا من غير ما تخبط يامراد ؟ 

وبعدين انت بتكلم عن مين ! 

مراد وقد تحولت ملامحهُ للغباء والنية في العنف : البت الشمال اللي كانت هنا من شوية ، نانـي .. عرفتيها أمتى ردي عليا ؟ 

تاج وهي تواري إرتباكها : آ.. دي صحبتي ، زميلتي في التدريب 


    _ قهقه بسخرية وتابع بلهجة لئيمة :


- زميلتك !! لا والنبي ؟


   _ أقترب منها ، فانكمشت على نفسها بخوف من تعبيرات وجهه .. حتى وجدته يجذبها بعنف عن فراشها ويهزها بقوة وهو يصيح :


- البت دي لو عرفتيها تاني ولا شوفتك معاها هكسر عضمك ، انتي سمعاني

تاج وهي تتأوه متألمة من قبضتهُ المطبقة عليها : آآه ، أنت مش واصي عليا عشان تعمل كدا 

مراد وهو يغرز أصابعها بذراعها : أنتي تسمعي كلامي وانتي ساكتة .. البت دي و*** وكل معارفها أشكال و*** ، ولو سمعت بس إنك كلمتيها ولا مقطعتيش معاها ، أنا مش هخليكي تخرجي من عتبة البيت تاني ، سمعتـي ! 


     _ دفعها لتسقط على الكومود ثم إلى الفراش .. سقط أبريق المياه فـ انكسر .. وبدأت هي في النحيب وهي تتحسس ذراعها ، ثم غمغمت :


- طول عمره حيـوان ! آآآه  


    _ كان يستمع لتلك المشادة القصيرة عبر الهاتف .. 

وما أن شعر بذهاب '' مراد '' أغلق المكالمة حتى لا يشعرها بإنه قد لاحظ أي شئ .. 

من الواضح أن شقيقتهُ سقطت في مأزق .. وإنه توانى عن الإهتمام بها گالسابق ، 

فقد شغلتهُ الحياة وحبيبتهُ ، والإنتقام لنفسهُ .. 

إذًا لابد من رجوع الأوضاع لمسارها الصحيح قبل أن يخسر شخصًا أعز إليه من نفسهُ '' شقيقتهُ '' . 


............................................................. 


        _ وقف قُصي بنهاية الردهة ، منتظرًا ظهور أحدهم بشدة '' كريم '' .. 

حتى تنفجر الأوضاع من حولهُ فيتمكن من الدخول إليها بدون أي عوائق ، في حين كان ريان متأهبًا متفهمًا لـ ألاعيبهُ الخبيثة .. 

أراد وبكل شغف أن يدخل إليها ويتطلع لوجهها من جديد .. ولكنه لم يستطع .. 

فقد وقف كلاهما گالأسد المنتظر لحظة الهجوم على الآخر .. 

حتى ظهر المُنتظر وصوله '' كريم '' ، كان في قمة ثورتهُ مما حدث لشقيقتهُ وهو آخر العالمين .. 

كل خطوة يخطوها تسبق الأخرى في محاولة للوصول إليها وبسرعة .. أنطلق نحوهُ قُصي ما أن رآه ، وبأسلوب مُعنف قال له مستنكرًا :


- ياأهلًا بالسبع 


     _ تجاهلهُ كريم ومضى في طريقهُ بإتجاه ريان .. فلحق به مسرعًا ليكون على رأس الحدث ، ولكنه تفاجئ بهذه النوبة من البرود قد إنتابتهُ وهو يقول لـ ريان :


- هي فين ؟ 

ريان بصوت طبيعي وهو يشير بإتجاه الحجرة : في الأوضة اللي هناك دي ، بس هتدخل لوحدك

كريم وهو يوزع نظراتهُ الحانقة عليهم : والله أنا مش عايز أشوف حد منكم هنا أساسًا


     _ تركهم يقفون في مواجهة بعضهم البعض .. وسار ناحية الغرفة المنشودة .. 

فكر ريان للحظات ، وقادهُ عقلهُ لإجراء هذه المغامرة .. 

هو يثق بها ، وأراد التأكد ما إنها في محل ثقتهُ أم إنها لم تعد گالسابق .. 

أنحنى ريان لليمين وأفسح له المجال وهو يقول :


- لو عايز تدخل ، أدخل


    _ أصابهُ حُمى التفكير بعد أن سمح له بالمرور ! 

تُرى ماذا يخبئ له في هذه الجعبة ؟ لا يعلم .. 

ولكنه تجاهلهُ ومضى ! 


     _ ولج كريم لهذه الغرفة الباردة ، وملامحهُ القاسية تطغى على وجهه .. 

ولكن سرعان ما ذاب جليد قلبهُ عندما رأى رأسها المصابة والمغلفة بالشاش الطبي .. 

أعتدلت كارمن في جلستها وقد بدأت الدموع تتجمع في محجري عينيها .. فـ راح يخطو نحوها وهو فاتح ذراعيه ، ثم ضمها إليه وهو يقول بعتاب أخوي :


- حرام عليكي اللي بتعمليه فيا ده ! ينفع تخوفيني عليكي بالشكل ده يعني ؟ 

كارمن والعبرات تنساب من عينيها : I'm sorry 


    _ أبتعد عنها سنتيمترات ، ثم مسح بإبهامهُ دموعها وهو يتسأل :


- إيه اللي حصل ياحببتي ! 

كارمن وهي تجاهد لإبعاد ذيول الأمر عن '' ريان '' : آآ .. مش عارفة ! المخازن ولعت وانا كنت جوا ، والباب أتقفل عليا 


     _ دخل قُصي في هذه اللحظة .. 

ولا ننكر مشاعر القلق الشديد والخوف المرضي الذي ظهر على وجهه وقد بدا للعيان .. 

أقترب من فراشها بعجالة وهو يقول بنبرة قلقة :


- كارمن ! أنتي كويسة ؟ 


    _ لم تجيبهُ ، وإنما تحاشت النظر إليهُ وهي تخبئ وجهها في أحضان شقيقها .. ثم همست :

- إنت السبب ، لولاك مكنتش روحت المخزن ولا كان زماني هنا

قُصي وقد ارتفع حاجبيه بذهول من إتهامها له : أنا ! أنتي بتتهميني أنا !! 

   

    _ صمت لحظات وهو ينظر نحوها غير مقتنعًا بحديثها ، ثم قال بوجه ممتعض وصوت حاد :


- شكلك اتعودتي ترمي التهم على أي حد ييجي في سكتك ! 


   _ وكأنه أراد تذكيرها بإتهاماتها السابقة لريان ، فالتفت نحوهُ تراه بدقة .. في حين تابع هو :


- بس للأسف هخلف ظنك وأقولك إن ماليش أي يد في اللي حصل


    _ أنحنى بجسدهُ ليستند على حافة الفراش ، ثم قال :


- أنا أموت نفسي قبل ما افكر في أذيتك ! وانتي عارفة ده كويس


   _ أبتعد وارتفع صوته ليقول بهدر :


- يعني مفيش أي لازمة عشان تستفزيني

كريم وهو يصيح فيه معنفًا : أنت صوتك ميعلاش عليها ، وملكش علاقة بيها أصلًا ، ياريت تكون ضيف خفيف وتمشي دلوقتي 

كارمن وهي تهز رأسها بتأكيد : أيوة ، أمشي من هنا ، أنا عايزة ارتاح 


     _ وارتخت برأسها على الوسادة بعد هذه الكلمة .. ليرمقها هو بغرابة ، ثم سحب نفسه وخرج .. وقرر تأجيل مواجهتها لحين تكون وحدها ، فينفرد بها . 


    _ خرج من الغرفة والتفت حولهُ ، فلم يجدهُ ولا والدهُ .. ضاقت عيناه بتفكير وهو يخمن سبب إنصرافهُ المبكر .. ولكنه فشل في التخمين الصحيح.. 

مشى في أروقة المشفى وهو يفكر ، كيف يعثر على حقيقة الأمر .. وكيف يصل لفاعل هذه الكارثة ؟ ومتى وصل الأمر لريان ؟ .. عليه التفكير جيدًا ! والتخطيط فيما بعد ذلك . 


.................................................................. 


     _ لم تنام ، ولم تستطع الغفو في حضرة هذا الألم الذي أعتصر رأسها المصابة وذراعها المحترق .. 

حُقنت بـ إبرة طبية مسكنة ، ولكنها لم تفلح في تسكين آلامها .. ظلت على حالتها حتى شروق الشمس ، ولم يفارقها شقيقها بل صاحبها طوال الليل .. 

وعندما بدأت أشعة الشمس الربيعية في إختراق الستائر البيضاء .. بدأت تعرف طريقها للنوم .. 

بينما غفى كريم على المقعد بعد أن أطمئن إنها غفت أيضًا .. 


    _ أحس كريم بـ إنفتاح الباب بحرص ، ففتح عينيه ليستقبل ببصرهُ هذا الضيف الذي آتى في العاشرة صباحًا .. ليجد باقة بيضاء من الزهور تدخل أولًا ومن خلفها صاحبها '' ريان '' 

نهض كريم عن مقعدهُ وانتقل نحوهُ .. صافحهُ وهو يرد الصباح :


- صباح الخير 

ريان وهو يطل برأسه ليراها : هي عاملة إيه دلوقتي ؟ 

كريم وهو يستدير برأسه ليراها : الحمد لله ، منامتش من الوجع 

ريان : ...... 


       _ ذمّ شفتيه بضيق من نفسهُ .. وأخفض بصرهُ بخزي ، في حين شعر كريم بوجود صلة له بالأمر ، ولكنهُ لم يفصح عن ذلك .. تنهد بإنزعاج ثم تسائل بشغف :


- آ.. هي تاج عاملة إيه ؟ 

ريان وقد انعقد حاجبيه بإستغراب : كويسة ، بتسأل ليه؟ 

كريم : بطمن عليها ، بقالي كتير مكلمتهاش .. إحترامًا لكلامي معاك ، وإنك هتلاقي حل قريب

ريان وهو يهز رأسه متفهمًا : ربنا يسهل


    _ نظر كريم لساعة يده ، ثم رفع بصرهُ نحوه وهو يقول :


- أنا هروح أجيب شاي من البوفية ، أجيبلك ؟ 

ريان وهو يبتسم مجبرًا حالهُ على ذلك : لأ شكرًا ، بس هات لكارمن الكابتشينو الصباحي بتاعها

كريم بإبتسامة صغيرة : متقلقش ، أنا برضو حافظها


     _ أنصرف وتركهُ معها قليلًا ، فهو يعلم أين شفاء شقيقتهُ .. فيه هو .. 

أقترب ريان منها وكأنه يتسلل إليها خوفًا من أن يزعجها ، وضع الباقة جوارها ، ثم سحب مقعد وجلس بالقرب منها .. 

تأمل ذراعها المغلفة ورأسها ، ثم همس :


- آسف ! 


        _ نهض ، واقترب من وجهها حتى أختفت الإضاءة عنها وشكّل ظلًا عليها .. ثم بدأ بتوجيه أنفاسهُ على أنفها ووجهها ، فبدأت ثنايات جلدها بالتحرك گرد فعل .. 

واستمر في ذلك ، وأعقب فعلهُ بالهمس جوار أذنها :


- كـــوكي ، فتحي عينك عشان أشوف الربيع 


      _ ألتقطت أذنها إطراءهُ ، فـ ابتسمت وهي تفتح جفنيها الناعسين .. ثم رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تنظر نحوهُ بعشق .. وهمست بصوت خالجهُ الأنفاس :


- وحشتني

ريان : ................... 


     _ حملقت عيناه غير مصدقًا ما سمعهُ للتو ، لقد تكرمت ومنّت عليه .. وأصدقتهُ القول بإنها اشتاقت إليه .. تهدجت أنفاسه وأصابهُ التوتر وهو يبتعد عنها ليقول بشغف :


- ده بجــد ! 

كارمن : ....... 


      _ أنتفضت وهي تنظر إليه ، فركت عينيها لتتأكد إنها تعايش الموقف .. فقد ظنت إنها تراه في حلمها .. 

أرتبكت وهي تقول بتعلثم :


- ريــ... يـان !!. 

ريان وهو يقترب منها مرة أخرى : وحشتك بجد !! 

كارمن وهي تبتلع ريقها بإرتباك : آ لأ

ريان وقد ضاقت عينيه غير مصدقًا : كدابة ، وستين كدابة كمان

كارمن وهي تقطب جبينها بإنزعاج : أنا كدابة ! 

ريان وهو يتعمد إغاظتها : وطفلة كمان


      _ يدري جيدًا أن هذه الكلمة تثير إستفزازها ، فأراد رؤية غيظها عقب أن أنكرت اشتياقها لهُ .. 

فعقدت ذراعيها متناسية آلامهُ وهي تقول :


- أنا مش طفلة ؛ آآه


      _تأوهت بتألم وهي تبعد ذراعها المحترقة ، فسرعان ما التقط هو ذراعها وهو يعنفها :


- مش تحاسبي ! 


      _ عشقت هذا الألم الذي يجعلها ترى خوفه عليها .. 

عشقتهُ لإنه قربهُ منها بعد فترة طويلة من الجفاء واللوعة .. 

رمقتهُ بنظرات متلهفة مختفية وراء الخجل .. 

بينما جلس هو على حافة الفراش قربها ، ونظر إليها نظرات ثاقبة وهو يقول : 


- أنكري براحتك ، أنا خدت الحقيقة منك وخلاص 

كارمن : ..... 

ريان بلهجة عابثة : وفي حقيقة كمان كنتي مخبياها  

كارمن بفضول شديد : حقيقة إيه ؟ 


      _ أستند على ساقها وهو ينحني عليها ليدس يدهُ في جيب بنطالهُ ويخرجها .. فتلوت بشفتيها وهي تقول بسخرية :


- على فكرة ، اللي ساند عليها وواخد راحتك أوي كده دي رجلي

ريان : عادي 


     _ رفع القلادة ذات الفص الماسي الصغير أمام عينيها ، لتجحظ بها بذهول ، ولا إراديًا مدت يدها تتحسس رقبتها لتجد قلادتها الغالية مفقودة .. 

أبتسم بعبث لها وهو يقول :


- السلسلة اللي مفارقتش رقبتك ، عشان كدا على طول كنتي لابسة إيشاربات وكوفيات

كارمن : ....... 


       _ عضت على شفتيها بحرج منهُ وأجفلت بصرها بإستحياء .. أستشعر حرجها منه ، فقرر إمتصاص هذا الحياء الذي وردّ وجهها وفتنهُ بها أكثر .. 

تنهد برغبة فيها ، ثم أردف :


- بطلي تحمري كدا ، بتحلوي فوق حلاوتك


      _ نهض ليقف جوارها ، وبدأ يُلبسها إياها كما السابق .. 

لم تعترض ، بل تركتهُ يفعلها وبكامل رغبتها .. 

وما أن أنتهى ، وضع سبابتهُ على نبض وريدها .. فوجدهُ مليئًا بالحياة .. 

فهمس لها بعتاب :


- وريدك نابض وفيه حياه ، غريبة !.. أمال وريدي نبضهُ وقف ومفيهوش حياه ليه ؟! 


     _ تمزق داخلها وهو يرمي بالكلام المقصود .. وابتسمت بمرارة وهي تردد بهمس : 


- مش كُل نبض حياه ، ساعات النبض بيكون حركة مفيهاش روح


       _ ألتقط باقة الورود ومد يدهُ بها وهو يقول :


- سلامتك ألف سلامة ياكارمن

كارمن وهي تلتقط الباقة بودّ : الله يسلمك


       _ جلس من جديد على المقعد ثم نكس رأسه وهو يعترف بذنبهُ قائلًا :


- أتمنى متكونيش لسه زعلانة بسبب اللي حصلك! 

كارمن وقد تقوست شفتيها بإستنكار ساخر : عادي يعني ، جرح متخيط في راسي ، ومجرد حرق هيسيبلي تشويه في دراعي .. بسيطة 

ريان وقد أزعجه سخريتها : قولتلك مكنتيش المقصودة أبدًا، ودراعك هنعملهُ عملية تجميل وهيرجع أفضل من الأول

كارمن بإصرار : لأ ، هسيبه عشان يفكرني باللي حصل كل ما أشوفه


       _ تأفف منزعجًا من إصرارها على تأنيبهُ ، وقبل أن يتفوه بكلمة جديدة .. وجدوا رفيقات كارمن يدلفن للداخل وبصحبتهن الورود والحلوى ، ولكنهن تفاجئن بوجود ريان و :


- كــوكــ ........ ـي ؟ 


     _ أنقطع صوت نهال عندما رأت ريان ، ثم أبتسمت إبتسامة عريضة وهي تقول غير مصدقة :


- معقول ريان هنا !! 


    _ ولجت وأعقبها يسرا ثم زينة ، لتتفاجئ جميعهن بوجوده .. في حين انشرح صدر يسرا وهي تراه مرة أخرى بصحبتها ، وكأنه مؤشر عن رجوع العلاقات بينهما .. فقالت بمزاح :


-مش مصدقة إني بشوفكوا تاني من غير خناق ! 

نهال وهي تقترب من كارمن : حرام عليكي ياروس ، بلاش تقري عليهم إحنا مصدقنا

كارمن وهي ترمقهم بذهول : آ .. إنتوا عرفتوا إزاي ؟ 

يسرا وهي تجلس على المقعد القريب من الفراش : قُصي هو اللي كلمني بالليل وبلغني باللي حصل 


     _ ثم نظرت بإتجاه ريان وهي تقول بحرج بعد أن أحست بخطأ ذكر سيرتهُ في وجود ريان :


- آ .. سوري ياريان

ريان : عادي


    _ لم تنتبه أيًا منهم لوجود زينة متسمرة على باب الغرفة وكأنها رأت قتيلًا .. 

وصلت الغيرة أقصاها لديها ، وراحت تنظر إليه بعتاب لتجاهلهُ إياها وعودتهُ من جديد لوصالها .. 

أنتبهت لها كارمن وهي تحدق بـ ريان بهذا الشكل الغريب .. فعقدت ما بين حاجبيها بإستغراب وهي تهتف :


- زينة ، واقفة عندك ليه ؟ 

زينة بجفاف : أبدًا مفيش ، حمدالله على السلامة

كارمن : الله يسلمك


     _ لم يرد أن ينظر بإتجاهها حتى .. ولم يرغب في مواجهتها خاصة الآن ، ولكنه تفاجأ بها تجلس بجواره بعد أن سحبت المقعد وسألته بإهتمام :


- أزيك ياريان ؟

ريان بإقتضاب شديد : كويس


       _ نهض ريان عن مكانهُ ، ثم أنتقل بالقرب منها .. وانحنى إليها ليُقبل رأسها المصابة وهو يهمس :


- آسف 

كارمن : ..... 

ريان وهو يلتفت نحوهن متأهبًا للخروج : عن أذنكم يابنات ، ورايا شغل

يسرا : ربنا معاك ياريان

نهال : سلملي على تاج أحسن من ساعة ما صاحبت البنت الجديدة واحنا مش ملمومين عليها خالص

ريان وقد شغلت عبارة نهال تفكيرهُ : حاضر


      _ تحرك للخارج ، فقامت زينة في أعقابهُ وخرجت خلفه هي الأخرى .. لتسأل كارمن بتعجب :


- هي زينة مالها متغيرة المرة دي ليه؟ 

يسرا : والله هي بقالها فترة على الحال ده


       _ نظرت للفراغ ، وبدأ تفكيرها يتحول لإتجاه آخر .. 

فقد كان ظاهرًا وبشدة ذلك الحُب في عينيها .. وهي أكثر من يدري أين ومتى يظهر الحُب ..! 

زاغت عينيها بخوف .. نعم تخاف ! 

تخاف أن تخسرهُ ، فلا يعوضهُ شيئًا وإن كان أكسير الحياه .. 


     _ خرج ريان من الغرفة وهو عالم بلحاقها له ، أسرع من خطوتهُ علها تفقد أثرهُ .. ولكنها كانت الأسرع ، فوصلت إليه وهي تقول :


- ريــان ! ياريان ! 

ريان وهو ينظر من زاوية عينيه : نعم ! 

زينة وهي تقف قبالته لتسأل : هو انت صالحت كارمن ؟ 

ريان متعمدًا تجاهلها :وبتسألي ليه؟ 

زينة : آ أصل..... 

ريان وهو ينظر لساعة يدهُ : نخلي الأصل والفصل بعدين ، لأني أتأخرت وعندي meeting مهم ، عن أذنك


          _ تجمدت قدميها في مكانهما من ذلك الموقف المحرج ، بينما اختفى هو في لمح البصر حتى لا تلاحقهُ .. 

سلطت أبصارها على ظلها المتشكل على الحائط اللامع ، ثم همست بعدائية :


- ماشي ياريان ، ماشي  


.................................................................. 


       _ مرت ساعات طويلة وهي في النادي ، وسط تدريباتها وأصدقائها .. كانت مُقصرة تقصيرًا كبيرًا في تدريباتها بالفترة الأخيرة ، ولكنها لم تشعر بذلك .. 

في حين تواجد '' مراد '' أمام النادي في موعد خروجها بعد أن أستعلم عنه من السائق الخاص بها .. فقد قرر مرافقتها في تلك الفترة متعمدًا .. 

للتأكد من إبتعادها عن تلك اللعينة .. 

جلس في سيارتهُ ينفث في سجائرهُ ، بنفس الآن الذي وجد فيه سيارة ريان تقترب من بوابة النادي .. 

فضرب بقبضتهُ على عجلة القيادة وهو يردد :


- وده إيه اللي جابه ده كمان! طالعلي في كل حاجة زي الـ *، *** 


         _ ترجل ريان عن سيارتهُ فترجل مراد أيضا وبدأ يقترب منه .. في البداية لم يلحظ ريان وجوده ، ولكنه انتبه عندما اقترب منه ، فحدقت عيناه وهو ينزع نظارتهُ الشمسية عنهُ .. ووقف مذهولًا حتى أتاه هو :


- بتعمل إيه هنا ؟ 

ريان بنبرة جافة : جاي أخد أختي ، وانت ؟ 

مراد بتهكم : نفس اللي جابك

ريان وهو يحك طبقة الجلد المختفية أسفل لحيتهُ : غريبة ! عمرك ما اهتميت بحاجة تخص تاج !؟ 

مراد وهو يدس يديه في جيوب معطفهُ : حتى لو مش شقيقتي ، هي أختي .. وطالما انت اتشغلت بمغامراتك ياروميو ، يبقى كان لازم اتدخل


     _ بدا كلامه مثيرًا للأعصاب ، ولكنه تحكم بإعصابهُ جيدًا لئلا تنفلت منه .. ثم هتف متسائلًا :


- وإيه موضوع البت اللي زعقتلها عليه قبل كدا ده ! 

مراد ببسمة ساخرة : هي لحقت تشتكيلك ! 


       _ لن يُجدي الحديث معه بنفع ، فالتفت ينظر نحو البوابة ليجد شقيقتهُ تخرج بصحبة فتاة غريبة الأطوار .. يبدو على ملابسها الخليعة تلك البيئة التي حضرت منها .. 

تفحصها ريان من أخمص قدميها حتى رأسها ، ثم حرك أنظارهُ لشقيقتهُ .. 

نظر جوارهُ فلم يجد مراد ، كان مراد قد تحرك من جواره نحوهما ، فخشى ريان أفعالهُ المجنونة ولحق به سريعًا .. 


كانت الفتاتان تضحكان بقوة حتى ظهر '' مراد '' أمام '' ناني '' ، فانتفضت بذعر وتوقفت عن السير .. إلى أن مد يده ليطبق على ذراعها بعنف وهو يهدر بها :


- بتعملي إيه مع اختي ياو**** ، يابنت الـ ***

ناني وهي تبتلع ريقها بخوف شديد : آآ . أختك !.. . أنا معرفش آ.... 

مراد وهو يهزها بهمجية :متعرفيش يازبالة !! 

تاج وهي تحاول أن تنتزعها منهُ : مراد من فضلك كفاية تحرجني مع صحابي


     _ تدخل ريان في الأمر وهو يقول بصوت خفيض :


- مراد ! الناس بتبص علينا ! 

تاج وهي تختبئ خلف شقيقها : ريـ.. ـان ، كويس إنك جيت ألحقني منه


   _ قبض مراد على خصلات شعرها '' ناني '' بعنف شديد ، ثم جرجرها خلفهُ وهو يقول ببرود ما يسبق العاصفة :


- تعالي معايا ياحلوة ، عايزك في حوار قديم هيعجبك 

ناني وهي تحاول تخليص نفسها من براثنهُ : آآه ، شعري هيتقطع في إيدك .. أبعد عني معملتش حاجة ، والله مااعرف إنها أختك ، آآه 


    _ بدا وكأنه شخص جديد ظهر أمامهما ، وهو يتعامل ما تلك الخبيثة بتلك الطريقة .. ثم أجلسها بالسيارة رغمًا عنها ، وأوصد السيارة عليها لئلا تهبط عنها ، ثم تحرك نحو مقعدهُ الأمامي .. 

كل ذلك وهو في حالة من الذهول تطغى عليه '' ريان '' ، حتى أنصرف بسيارتهُ من أمامهم ليكونا منفرديـــن ............. 

الفصل الرابع والثلاثون من هنا

stories
stories
تعليقات