رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والسادس والثلاثون 336 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والسادس والثلاثون 


انتاب زكريّا الذعر فورًا عندما شعر بانزعاج سيرين فاقترب منها برفق وربت بيديه الصغيرتين على ظهرها قائلاً:

«أمي… أنا ونوح لن نترككِ أبدًا… لن يأخذنا أحد.»

شعرت سيرين بالطمأنينة من كلمات ابنها فاحتضنته بقوة وهي تقول:

«شكرًا لك يا زاك.»

نادراً ما كانت سيرين تعانق زكريّا فهو نادراً ما يتصرف معها كطفل؛ وكلما حاولت كان يرفضها بغطرسة… ومع ذلك كان زكريّا سرًّا يحب هذا العناق رغم خجله الشديد من الاعتراف بذلك… احمرّ وجهه كالجمرة وهو يسأل:

«أمي… هل نخدعه ليظنّ أنني نوح؟»

دهشت سيرين من فطنة ابنها الصغير وأجابتها بابتسامة هادئة:

«لا داعي لذلك… هو يعلم مسبقًا أن لديّ توأمًا.» لم تُرِد أن يكذب زكريّا.

فكّر زكريّا للحظة ثم قال:

«حسنًا إذًا… لن أخبره طواعيةً أنني زكريّا… هل هذا مناسب؟»

ابتسمت سيرين ووافقت:

«لا بأس.»

اتفقا على ذلك وشعر زكريّا بالارتياح والامتنان لأنها لم تلومه.

فجأةً جاء طرقٌ على الباب.

«سيرين…»

كانت فاطمة… فتحت سيرين الباب بسرعة وذهب زكريّا معها قائلاً:

«جدتي!»

لم تُفاجأ فاطمة برؤية زكريّا فقد سمعت الحديث في الخارج سابقًا… ابتسمت مرحبة به وأخذته لشراء بعض الحلوى بينما كانت فرحتها واضحة في عينيها.

تقدمت سيرين نحو غرفة المعيشة حيث كان ظافر جالسًا على الأريكة في هدوءٍ مهيب ينتظرها… قالت بصوت رزين:

«ظافر… ليس الأمر صعبًا إلى هذا الحد… لقد فات الأوان على الندم… يمكننا الطلاق… لن أطلب منك شيئًا.»

التفت إليها ظافر بعينين ثابتتين ثم قال ببرودٍ مفاجئ:

«سيرين… ألم تقولي إن الطفل الذي تحملينه ليس طفلي؟»

تجمدت سيرين عند سماع تلك الكلمات كأن الوقت قد توقف حولها.

تمهل ظافر للحظة ثم تابع بصوت أكثر هدوءًا لكنه حازم:

«قال ماهر إن لديكِ توأمًا… يمكنكِ إحضار التوأم الآخر فأنا قادر على تحمل تكاليف رعاية طفل آخر.»

لم تصدق سيرين ما كانت تسمعه… هل هذا هو ظافر نفسه؟! ذلك الرجل الفخور الذي عرفته منذ زمن، كيف له أن يكون مستعدًا لرعاية أطفال رجل آخر؟

ظلّت سيرين صامتة فيما نهض ظافر واقترب منها بهدوء ممسكًا بذراعها بلطف وقال:

«أعدته لأنني ظننت أنكِ ستفتقدينه.»

تذكرت سيرين برود قلبه في الماضي فانسحبت مبتعدة، قائلة بصوت متحفظ:

«لا داعي لذلك… انتهت علاقتنا منذ زمن وعائلتك هي السبب الوحيد في استمرارنا معًا.»

ثم صعدت إلى الطابق العلوي لتبدأ في تجهيز غرفة زكريّا وهي تحمل في قلبها مزيجًا من الحذر والحرص على حماية طفليها.

كان زكريّا في تلك اللحظة يعيش متعته الصغيرة؛ يتناول الحلوى إلى جانب فاطمة بينما تعلقت عيناه أينما اتجهت سيرين وما إن غادرت لتلتحق بالطابق العلوي ودخلت فاطمة غرفتها لتستريح حتى نهض الصغير بخفة قطٍّ شريد واتجه نحو ظافر الذي كان منكفئًا على حاسوبه المحمول تحيط به هالة من التركيز الصامت.

كانت الشاشة تغصّ بسطرٍ بعد آخر من الرموز المعقدة تومض وتتحرّك كأنها كائنٌ يتنفس. وقف زكريّا بجانبه يتأمله بفضول متحفّز… بدا الكود دقيقًا، مُحكم البناء على نحو لافت لدرجة جعلته يتساءل:

ما الذي يشغل أبوه اللقيط على هذا النحو؟ وهل كان أعمى حقًا كما قيل؟

اقترب أكثر حتى كاد يمد إصبعه ليلمس لوحة المفاتيح… لكنه لم يُمهل إذ امتدت يد قوية من خلفه وأمسكت بطوق قميصه رافعة إياه قليلًا كدمية قماش.

قال ظافر بصوت منخفض:

«هل تفهم شيئًا من هذا؟»

رفع زكريّا رأسه بكبرياءٍ لا يليق بطفل في الرابعة وقال بثقة لا تتزعزع:

«بالطبع أفهم!»

ارتسمت دهشة عابرة على ملامح ظافر… أيُّ طفلٍ هذا الذي يتحدث عن البرمجة كما لو كانت لعبة؟

قال ظافر بنبرة اختبارية:

«لا داعي للتفاخر… حتى لو لم تفهم لن أسخر منك.»

هزّ زكريّا رأسه باحتقار خفيف:

«همف… أنت تقلل من شأني.»

ثم تمدّد على المقعد بلا استئذان، وسحب الحاسوب إلى حضنه، وبدأت أصابعه الصغيرة تنقر على لوحة المفاتيح بسرعةٍ ونظام… كان يتحرك كمن يعرف ما يفعل تمامًا… اكتشف خلال ثوانٍ أن البرنامج الذي يعمل عليه ظافر ليس سوى نظام نسخ متقدم يبدو مُعدًا خصيصًا ليساعده على العمل رغم ضعفه البصري.

وبينما انشغل زكريّا في تعديل الكود وتنظيمه وكتابة أسطر جديدة بمهارة غير متوقعة من طفل غاب تمامًا عن ملاحظة التبدّل البطيء الذي أخذ يرسم نفسه على وجه ظافر… دهشة ثم صمتٌ عميق ثم شيء آخر لا اسم له.


تعليقات