رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والاربعون 340 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والاربعون 


في مقاطعة سان كان ظافر منشغلاً بأعمال تأسيس شركته الجديدة حين تلقى فجأةً سلسلة من الرسائل النصية على هاتفه.

**”في الساعة 10:24 صباحًا من يوم 12 ديسمبر، تم إجراء معاملة بقيمة 888,000 دولار باستخدام البطاقة رقم XX.”**

**”في الساعة 10:26 صباحًا، تم إجراء معاملة بقيمة 388,000 دولار باستخدام البطاقة رقم XX.”**

**”في الساعة 11:00 صباحًا، تم إجراء معاملة بقيمة 1,888,000 دولار باستخدام البطاقة رقم XX.”**

في غضون نصف ساعة فقط بُلِعَت ملايين الدولارات ورغم أن ظافر كان قادرًا على تحمل هذا المبلغ بلا عناء إلا أن فضوله استيقظ لمعرفة ما الذي يمكن لطفل أن يفعله بكل هذا المال في فترة وجيزة خاصة وأن زكريّا لا يزال في المدرسة.

رفع ظافر الهاتف واتصل بماهر قائلاً:

**”اذهب واكتشف ما يفعله نوح في الروضة.”**

رد ماهر مطيعًا:

**”نعم سيدي.”**

في الغرفة المجاورة كانت سيرين تقف إلى جانب الممرضة الجديدة هانا تعتنيان بفاطمة الممدّدة على سريرها.

كانت سيرين قد علمت قبل قليل أن ظافر استبدل الممرضة السابقة وأن هانا أصبحت المسؤولة عن رعاية فاطمة التي أخبرتها بأن إيلي أغضبت ظافر وأثارت ضجةً كبيرة فبدت الدهشة على ملامح سيرين ولم تستطع منع نفسها من التوقف عند التفاصيل فقالت مبتسمةً محاولة كسر التوتر:

**”كان عليكِ أن تُسجّلي لي فيديو.”**

ضحكت فاطمة بخفة ثم تنهدت قائلة:

**”كان يجب أن أفعل! ندمت لأنني لم أفعل.”**

بعد لحظات طلبت فاطمة من هانا أن تُحضر لها القليل من الماء فغادرت الأخيرة الغرفة مسرعة وما إن أُغلِق الباب خلف الممرضة حتى مدّت فاطمة يدها تمسك يد سيرين بقلق ظاهر وسألت بصوت خافت:

**”سيرين… الآن بعد أن عاد زاك، لن يحدث شيء سيئ أليس كذلك؟”**

ترددت سيرين للحظة فهي نفسها لم تكن متأكدة من شيء لكن ما كان أمامها إلا أن تبث الطمأنينة في قلب فاطمة فقالت بثباتٍ هادئ:

**”لا تقلقي ظافر فقد بصره وذاكرته… ولم يعد قادرًا على فعل الكثير الآن.”**

أطلقت فاطمة زفرة طويلة امتزج فيها الحزن بالارتياح.

**”يا للأسف… لكنني رغم ذلك أشعر بقلق غريب هذه الأيام.”**

كانت فاطمة قد قضت وقتًا وحدها مع ظافر فاكتشفت أنه ليس بذلك السوء الذي ظنته منذ البداية وأن فيه جانبًا مُربكًا من اللطف غير المتوقع لكنها مع ذلك لم تكن واثقة أنه سيظل كذلك مع سيرين دائمًا.

ربّتت سيرين على يدها مطمئنة إياها بكلمات رقيقة حتى انتظم تنفّس فاطمة واستعاد وجهها بعض السكون ولم تغادر سيرين الغرفة إلا بعد أن تأكدت تمامًا من أن فاطمة قد ارتاحت وهدأ قلبها…

بعد أن خرجت سيرين رمت نظرة سريعة نحو باب ظافر المغلق ورغبة غامرة بالتنفس في الهواء الطلق تتجاذبها، يفاقمها ذاك الغثيان الذي لازمها منذ بدء حملها فتقدّمت بين ثنيات الثلج والريح الباردة تنحت خطوطها الرقيقة على وجنتيها.

لم تبتعد كثيرًا حتى استوقفتها هيئة مألوفة تمشي بخطى ثابتة نحوها… كانت سارة متأنّقة كعادتها تقترب في صمتٍ محسوب.

تجمّدت أفكار سيرين لوهلة… فقد كانت ذكرى تلك الأيام القاسية لا تزال تقفز إلى ذهنها كلما رأت تلك المرأة؛ المرأة التي دفعتها ذات زمن إلى عقد قرانٍ مُذِلّ على شيخٍ عجوز لقاء المال… ثم عادت مؤخرًا تزورها وتنفر من منزلها المتواضع كأنه وصمةٌ تشوّه نظرها.

غير أنّ الأمور تغيّرت منذ الأمس؛ فبعد تحذير ظافر الصارم أدركت سارة أن سيرين لم تفقد قيمتها بعد… وأن عودتها إلى حياتها باتت ضرورة فاقتربت سارة بخطواتٍ محسوبة وقالت بنبرة تكسوها حرارة مصطنعة:

“سيرين… أخيرًا وجدتك.”

مدّت سارة يدها المغطاة بقفازٍ جلدي وأطبقت عليها برفق وعيناها تبرقان بودٍّ زائف لكن سيرين وقد خبرت تقلّبات هذه المرأة فلم تُخدع بما ظهر منها وقد تعلّمت أن ودّ سارة لا يجيء إلا حين تحتاج شيئًا.

سحبت سيرين يدها بهدوء متحفّظ قائلةً:

“سيدة سارة… لقد انقطعت العلاقة بيننا كأم وابنتها.”

ارتعشت ملامح سارة للحظة ثم أعادت يدها إلى جيب معطفها كمن تلقّى صفعة لطيفة على حين غرّة وقالت ببرود زاحف:

“الدم أثقل من الماء يا سيرين… ولا تقطع رابطة الأم بابنتها ببضع كلمات.”

قبضت سيرين كفّيها حتى غرزت أظافرها في لحمها في محاولة منها لضبط اتزانها ومن ثم قالت:

“فما الذي جاء بك إذن؟ أألتمستِ الدفاع عن تامر؟”

لم تجب سارة بل راحت عينها تدور على سيرين من رأسها إلى قدميها فإذا بدهشة مضمَرة تعبر ملامحها إذ تغيّرت الفتاة كثيرًا؛ بل واكتسبت ذوقًا رصينًا وأناقة هادئة وزاد جمالها الطبيعي إشراقًا بمسحة مكياج بسيطة حتى بدت أجمل مما كانت سارة نفسها في صباها فلم يكن مستغربًا — في نظر سارة — ألا يفكّر ظافر بطلاق امرأة كهذه.

تنهدت سارة فجأة وقالت بنبرة تستجدي عطفًا لا يليق بها:

“جئتُ لأراك يا سيرين… ولأعيدك إلى المدينة… تامر هو سبب ما جرى كلّه… أنا الآن أعرف الحقيقة كاملة… وأريد إصلاح الأمر.”


تعليقات