رواية قلب ماعت الفصل الثالث 3 بقلم رباب حسين



 رواية قلب ماعت الفصل الثالث بقلم رباب حسين 


منذ عامين... 

في أحد الليالي المظلمة، في ليلةٍ صيفية، كان هناك من يبحث عن شيء دُفن منذ آلاف السنين، دفنه أقوى ملوك الأسرة الثانية عشر، أحد أقوى الأسر الفرعونية، ليس لاعتقاده في البعث، أو لرغبته لعودة هذا المدفون كما كانو يظنون، بل دفنه متسلسلًا بقيود لا مثيل لها، فقط حتى لا يعود وينشر لعنته على الأرض مرة أخرى. 

دُفن مع سره الذي لم نعرف عنه شيء حتى وقتنا هذا. 

أما هو فكان يعلم أن هناك شيء قوي مدفون تحت هذه الأرض الكاحلة، بعد أن قرأ أحد البرديات القديمة، التي عثر عليها في أحد المقابر الفرعونية، برغم من تحذير البردية إلا أنه تمنى أن يعرف ما هذا السر وراء هذا القبر الفرعوني، ظل يتتبع ذلك القبر لسنوات، حتى علم مكانه، ثم أخذ أحد الرجال معه وذهب ليحاول البحث عنه. وصل عالم الآثار جاد علام إلى أحد المنازل القديمة القريبة من الصحراء المصرية، وبعد أن نقب تحت المنزل وجدو حائط عليه نقش فرعوني قديم، اقترب جاد منه بسعادة غامرة، فقد وجد القبر بعد أعوام من البحث، ولكن بعد أن قرأه، فتح عينيه في دهشة، هو لم يرى تحذير شديد اللهجة مثل هذا من قبل، بالرغم من فتحه لمقابر عديدة من قبل بحكم عمله، ولكن لم يرى مثل هذا.


"لا تقترب من باب اللعنة، فقد تأكل جسدك وعقلك في لمح البصر، وسوف تكتشف ماضيك وتواجه حاضرك وتخسر مستقبلك، فاهرب قدر ما تشاء، هذا القبر الملعون للكاهن الملعون ماعت"


لوهلة، شعر جاد بالرهبة من فتح المقبرة، ولكن حلمه بأن يكتشف مقبرة في غاية الغموض كهذه جعلته يتغلب على خوفه، وقرر فتحها، ظل العمال في التنقيب عنها حتى نزلو بالدرج النقال إلى تحت الأرض، ليقف جاد ومعه مساعده أمام هذا الباب، ثم قام جاد بكسر الحائط، وأحدث ثقب به، عادةً ما يخرج هواء قوي من المقابر الفرعونية وهذا بسبب إحتباس الهواء بداخلها لآلاف السنوات، ولكن هذه المقبرة مختلفة، لم تخرج هواء.... بل أخرجت صوت صراخ مرتفع، تلاه صوت ضحكات متتالية، فتح جاد عينيه في صدمة ثم نظر إلى مساعده (عليم) الذي شعر بالرهبة والخوف فقال: بلاش يا جاد، أنا مش مطمن.

جاد: عايزني أوصل لهنا بعد سنين وفي الآخر أخاف وأجري؟! وبعدين كل المقابر الفرعونية كان عليها تحذير عشان اللصوص، عادى يعني جمد قلبك.

عليم: إنت عارف إن التحذير ده مش زي أي تحذير شفناه قبل كده.

جاد: وده اللي خلى فضولي يزيد، يلا بقى إيدك معايا.

اقترب جاد وخلفه عليم الذي يخطو بخطوات مثقلة، حتى قام جاد بكسر الحائط، ليرى ممر ضيق، أخذ شعلة بيده ودخلا بالممر، كان عليم ينظر حوله بتوجس، حتى وصل جاد إلى التابوت الفرعوني بنهاية الممر، لم يكن هناك أية نقوش بماء الذهب على التابوت، وكأنه تابوت صنع من الخشب فقط، وهذا ما تعجب له جاد أكثر، فمقابر الفراعنة دائمًا ما تحتوي على معدن الدهب، والمشغولات اليدوية المدهبة، وبعض الحلي، ولكن هذا القبر مختلف كليًا، اقترب من التابوت ووجد بالمنتصف حجر دهبي اللون، به عين تشبه عين حورس، كان الحجر عجيب، ومثبت داخل غطاء التابوت الخشبي، قام عليم بتصوير التابوت ثم الحجر، وقال: بلاش نفتح التابوت هنا، لازم نبلغ الحكومة الأول وبعدين ناخد إذن بنقل التابوت وفتحه.

جاد: أكيد، بس أنا مستغرب من شكل الحجر ده.

عليم: وأنا كمان، وبعدين ليه مفيش غير الحجر الدهبي ده بس؟! المقبرة ديه فعلًا غريبة!

كان جاد ينظر إلى الحجر كأنه بعالم آخر، فنظر له عليم وقال: جاد! سامعني؟!

انتبه جاد إليه وقال: ها.. اه سامعك.

عليم: طيب يلا نخرج.


التفت عليم ليتجه نحو الممر مرة أخرى، ولكن تفاجأ بصوت قوي خلفه، فالتفت لينظر إلى جاد، وجد الحجر بيده وجاد يثبت عينيه بالأعلى، وينظر إلى ظل أسود كبير، وكأن عقله ذهب بمكان آخر، وهناك ضوء يُسحب من وجهه، من يراه يظن أن روحه تغادر جسده، كاد الصوت أن يسلبه قدرة السمع، وعصفت الرياح من حوله تتجه نحو جسد جاد، ثم سقط عليم مغشيًا عليه من هول ما رأى.


أما جاد فظل هكذا حتى تحولت عيناه إلى اللون الأسود واختفى بياضها، ثم نظر جاد أمامه بعد أن عاد لطبيعته، والأغرب أنه لم يتذكر شيء مما حدث، ثم وجد عليم ساقطًا على الأرض، فشعر بالفزع ووضع الحجر بجيبه، وذهب مسرعًا نحو عليم، حاول أن يجعله يسترد وعيه ولكن فشل، فحمله وعاد به من خلال الممر.


لم يكن يعلم أن هذا الحجر سيكون بداية لعنة، لعنة ستقضي عليه هو أولًا، ليظل حبيس ذلك القصر لمدة عامين، بعد أن خسر كل ما يملك، وعلم ما لم يكن يعلم، وأصبح الندم هو سبيله الوحيد، ليتذكر فقط هذه الفتاة التي ظلمها، قضى على مستقبلها، وفضل هذه المرأة التي تزوجها عليها، لتجعله يتحول إلى ذلك المجرم، لا يعرف سوى القتل والانتقام، وبعد أن انصاع إلى لعنة ماعت، وقتل زوجته، ظل داخل هذه اللعنة لم يخرج منها أبدًا، كمن باع روحه للشيطان، مسلوب الرأي، محاصر بين ذنوبه وآلامه، شريد في عالم غير عالمنا، لا يشعر بمن حوله، كل ما كان يفكر به هو أن يعتذر لتلك الفتاة التي ظلمها،"سجى". 


وها هي تنظر إليه وهو مقيد، يصرخ ألمًا، لا يعرف حتى سبب صراخه، هل روحه المعذبة داخل لعنة ماعت، أم جسده الذي لم يعد يتحمل ذلك العذاب، وكأنه تحول إلى ميت يتسطيع التحرك.

اقتربت منه سجى، تنظر إليه بصدمة، لم تراه منذ سنوات، كانت تشتاق إليه، رغم ما فعله بها، إلا إنها تعلم أن ما فعل كان بسبب تلك المرأة الشمطاء، زوجته التي خططت لكل شيء حتى تنال به، وتسرقه منها. 

كادت ترفع يدها لتلمسه فضربها ماعت بقوة، لترتد إلى الخلف وترتطم بالحائط، نظرت إليه ببكاء وقالت: ليه عامل فيه كده؟! 

ماعت: الخطايا، زي ما كان ليه حق، عليه حقوق كتير، أولهم إنتي، أنا بحاسب كل مخطئ على عمله، ولازم يدفع نتيجة غلطه. 

سجى: أنا مسمحاه، سيبه يمشي. 

صاح بغضب، كادت الجدران أن تسقط من شدة الصوت، وقال: قولتلك دول ميستحقوش السماح. 

سجى بخوف: طيب خدني مكانه، خليه يمشي، أرجوك ده شكله تعبان جدًا، حرام عليك. 

زادت نظرات الغضب داخل عينيه، ليهرع إليها بسرعة البرق، وقبض على رقبتها ورفعها أمامه، لتشعر بأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقالت بصوت ضعيف: سيبني... سيبني. 

ماعت بغضب: هسيبك، بس بعد ما تجاوبي على سؤالي، لو مراته اللي عملت فيكي كده كانت مكانه، كنتي هتسامحيها؟! 

صمتت سجى، تخشى الإجابة، هي لا تعرف للانتقام طريق، دائمًا ما كانت تسامح الذي يؤذيها، تترك الأمر للزمن، والحق سوف يعود بفضل الله سواء بالدنيا أو الآخرة، فقالت: مش بعرف انتقم، مش بعرف أزعل من حد. 

قذفها بقوة، لترتطم رأسها وظهرها بالحائط وقال بغضب: كنت زيك، وديه النتيجة، بقيت لعنة الناس كلها بتخاف منها، عشان بس فكرت في مرة أخد حقي، والنتيجة إنه أنا اللي اتقتلت غدر، تفتكري لو جاد واقف قدامنا دلوقتي وواعي للي بيحصل حواليه، كان سامحك؟! كان قال لا متقتلهاش، جاد عارف إنك خونتيه، ومش بيسامح زيك، لما عرف إن مراته بتخونه، قتلها، وإنتي لو كنت موجود معاه من بدري، كان قتلك بدل ما يغتصبك. 


تألمت سجى، ليس فقط من ارتطامها بالحائط، بل بما قاله ماعت، قتل زوجته! والأسوء أنه اغتصبها، تذكرت كل شيء مرت به، ليقترب منها ماعت، ويضع يده على رأسها، وفجأة رأت ما فعله جاد بها وهي تحت تأثير المخدر، كيف اغتصبها بوحشية، كيف كانت نظراته إليها، كان ينظر إليها باشمئزاز، وما عذبها أكثر ما قد تفوه به.


هي لم تعي لهذا من قبل، فقد أعطاها جاد مخدر، وبعد أن استعادت وعيها وجدت نفسها عارية الجسد بفراشه. 

لم تتحمل، لم تستطع أن ترى ما لم تراه من قبل، حاولت أن تبتعد عن ماعت، ولكن دون جدوى، فظلت تصرخ بقوة، ليصرخ جاد معها، ودوى صوت صراخهما عاليًا، ولكن لم يسمعهما أحد. 

أما براء، كان يجوب بمنزله، الخوف يسيطر عليه، أربع ساعات مرو كالدهر، سجى لم تتلقى اتصاله حتى الآن، ثم تذكر ما قاله عامر بخصوص ذلك الرجل الذي ذكر اسم الحجر" قلب ماعت"،

جلس أمام الحاسوب، ظل يبحث عن هذا الحجر، حتى وجد مقالة قديمة تتحدث عن الأمر، وبعد أن بحث لبعض الوقت، علم ما حدث داخل ذلك القبر، وأن الحكومة المصرية أمرت بإغلاق المقبرة مرة أخرى، وذلك بسبب ما حدث لعليم بعد أن دخله، واختفاء عالم الآثار جاد علام من وقتها، بعد أن عثرو على جثة زوجته" فريدة" وصديقه المقرب "طارق" في منزله.


دب الخوف في قلب براء أكثر، ثم حاول البحث عن عليم، ذلك المساعد الذي تعرض لمرض نفسي شديد، ومنذ فتح المقبرة وهو محتجز بأحد المصحات النفسية، نظر براء إلى الوقت، وقرر أن ينتظر حتى الصباح ليذهب إلى عليم بالمصحة ويتحدث معه، ربما يجد حل.


داخل هذا القصر المظلم، ابتعد ماعت عن سجى، التي شرعت ببكاء شديد، ظل ينظر إليها وهو يبتسم، يتمنى أن ينال ما تمنى، حتى هدأت سجى وقالت بضعف: ليه بتعمل فيا كده؟! أنا ذنبي إيه؟! هما اللي ظلموني.

ماعت: بقولك انتقملك منهم مش موافقة.

سجى بتعجب: أكتر من كده؟! إنت شايف شكله عالم إزاى؟ كفاية كده عليه، دفع تمن اللي عمله وزيادة، كفاية كده.

ماعت: هو باع نفسه ليا، هو اللي دخل مقبرتي برجليه، طلب مساعدتي، طلب انتقامي، مخافش من حاجة، عشان هو كده، جواه غل ومش بيسامح، فكرتي في مرة لو كان سامحك ومعملش فيكي اللي عمله كانت حياتك هتبقى عاملة إزاي؟! إنتي لحد دلوقتي مفكرتش تحبي ولا تتجوزي، طبعًا، ما إنتي لو اتجوزت هتتفضحي، بلاش إنتي، فكر يسامح مراته؟! لأ، ليه إنتي مسمحاه؟!

سجى ببكاء: عشان بحبه، وعمري ما حبيت غيره، كنت عارفة إنه في من الأيام هيعرف الحقيقة، هيعرف إني مظلومة ويرجعلي، وساعتها هيستر عليا ومش هيرضالي الفضيحة.

ماعت: لو ده كل اللي يهمك، أنا هخليه يتجوزك، وبعدها أقتله.

سجى: لأ... لأ أرجوك، متقتلوش.

ماعت بغضب: كده كده هيموت، بس لو وافقتي أقتله هتخرجي من هنا، لكن لو موافقتيش هو هيموت وإنتي هتبقي السجينة الجديدة بتاعتي، ها.... تختاري إيه؟!

نظرت له سجى، ثم عادت النظر إلى جاد، قلبها ينبض له بعنف، تشتاق إليه حد الجنون، لم تغيب صورته عن عقلها ليوم واحد، برغم هذا الألم الذي سكنها، غدره وخيانته، حياتها التي تدمرت على يديه، لم تقوى على رؤيته بهذا الضعف، وكأن القدر يخبرها أن هذا جزاء ما فعله بها، لا، لم تقبل أن يدفع هذا الثمن، لن يدفع حياته ثمن غلطته، فنظرت له سجى بدموع، وقالت: خرجه واحبسني مكانه.

كنت هذه الجملة كفيلة بأن تشعل غضب ماعت، وليس كأي غضب، كاد أن يحرق القصر من شدة غضبه، لتنظر إليه سجى بخوف شديد، وهي تزحف إلى الخلف، لا تعلم ماذا سيفعل بها، ولكن كل ما كانت تفكر به، هي كيف تخرج جاد من هذه اللعنة.


وكأن لعنة الحب الذي بقلبها أقوى من لعنة ماعت، حب متغلغل داخل جسدها وعقلها، تغلب على كل الظروف، حتى أصبحت حبيسة هي أيضًا، ولكن داخل عشق لا أمل منه.

الفصل الرابع من هنا


stories
stories
تعليقات