رواية قلب السلطة الفصل الثالث والاربعون
- "هخلص بسرعة واطلعلك... ما تقلقيش."
هزّت رأسها محاولة إخفاء القلق الذي اشتعل بداخلها بعد سماع اسم غيث:
- "خد وقتك... أنا هنا."
قبّلها قبلة خفيفة، ثم استدار، فوجد غالية ما تزال واقفة، وجهها مرتبك، تحاول استيعاب مشهد لم تعتد رؤيته.
رفع حاجبه:
- "داده غالية؟!"
قفزت من مكانها، كأنها استيقظت:
- "نعم يا باشا؟"
- "اعملي للضيف حاجة يشربها...
لحد ما أخلص مع نيرفانا."
انحنت سريعًا:
- "حاضر يا باشا... تحت أمرك."
ثم خرجت تتمتم لنفسها بدهشة صادقة:
- "يا سبحان الله... ده البيت مقلوب من امبارح... كل حاجة بتتغير فجأة! سبحان مغير الأحوال..."
ورائد، بخطواته الثقيلة، خرج كأنما يسير نحو مواجهة يعرف تمامًا أنها لن تكون هينة.
---
💔 قلب السلطة 💔
هبط رائد السلالم بخطى متزنة، وقد استعاد صلابته المعهودة. وجهه جامد لا تعبير فيه، كأن ملامحه أُعيد تشكيلها في لحظة. وفي قلبه، كان اسمه يتردد: غيث آسر عز الدين العزبي... رجل لم يكن ظهوره يومًا عابرًا.
قبل أن يصل إلى الطابق السفلي، توقّف لحظة أمام باب غرفة نيرفانا. طرقه مرتين ثم فتح دون انتظار ردّها.
كانت نيرفانا تجلس على الأرض، تكتب شيئًا في دفتر ملوّن، ترتدي ملابس فضفاضة، ويحيط بها عدد من الكتب والوسائد، تبدو منغمسة في محاولة يائسة للهروب من واقعها.
رفعت رأسها، وقالت بنبرة مرهقة:
- "هاه... في حاجة يا بابا؟"
اقترب منها، ثم جلس إلى جوارها وسأل بهدوء:
- "أوس كلمك؟"
أشاحت بوجهها:
- "لأ."
انتظر لحظة، ثم قال:
- "غيث تحت."
ارتجفت يد نيرفانا، وسقط القلم من بين أصابعها على الدفتر المفتوح. رفعت عينيها نحوه ببطء، وفي بؤبؤيهما انعكست دهشة لم تستطع كبتها، كأنها رأت شبحًا لا ضيفًا.
- "مين... مين اللي تحت؟" سألت بصوت هامس بالكاد سُمع، تحاول أن تنكر ما سمعته للتو.
- "غيث آسر عز الدين العزبي. الضيف اللي جاي يشوفك."
رفعت نيرفانا رأسها ببطء، وكأن الاسم سحبها فجأة من عالمٍ حاولت أن تختبئ فيه. توقفت يدها عن الحركة، وبقي القلم معلّقًا بين أصابعها المرتجفة.
— "غيث؟"
نطقته هامسًا، لا سؤالًا… بل تأكيدًا موجعًا.
راقبها رائد بصمت. لم يضغط، لم يعلّق. ترك الاسم يفعل ما يفعل، فهو يعرف جيدًا أن بعض الأسماء لا تحتاج شرحًا.
ابتلعت نيرفانا ريقها، ثم قالت بنبرة حاولت أن تجعلها عادية، لكنها خانتها:
— "جاي ليه؟"
اقترب منها خطوة واحدة، كافية ليعيد لها إحساس الأب الذي لا يزال قائمًا رغم كل الشقوق:
— "اهدّي. وجوده هنا ما حصلش من ورايا."
لم يعد رائد يجلس إلى جوارها بهدوء؛ بدا وجهه يتحول إلى تمثال من الجليد. استندت نيرفانا بيدها إلى الأرض محاولة الوقوف، لكن جسدها خانها.
- "أنا... أنا مش هقابله يا بابا. أنا مش مستعدة، ولا عايزة أشوفه."
قال بحسم لا يقبل نقاشًا:
— "انزلي شوفيه."
شهقت:
— "إيه؟!"
استقام رائد واقفًا، واضعًا يديه خلف ظهره بأسلوبه القديم الذي يُنهي أي نقاش.
- "أنا مش بطرح سؤال يا نيرفانا. الضيف تحت في الصالون، وده واحد طلبُه ما بيتْرفِضش أبدًا، خصوصًا إنه جوزك."
تجمّدت نيرفانا في وضعها شبه الواقف. كلمة "جوزك" سقطت عليها كحكم إعدام،
هزّت نيرفانا رأسها ببطء، تتوسل إلى المعنى أن يتضح، وقالت متحيرة، نبرتها ممزوجة بالرجاء واليأس:
- "طيب... فهمني بليز... ليه أقابله ؟!"
ردّ رائد ببرود أشبه بالجدار، وهو يقترب خطوة، وكأن وجوده سحق أي مقاومة:
- "من غير ليه... إنتي تسمعي كلامي وتسْكتي. أنا مش هضرك.
صمتت لحظة، ثم قالت بصوت واطي، منكسر:
— "لو نزلت… مش هعرف أرجع زي ما كنت."
نظر إليها نظرة طويلة، وقال بصدقٍ خشن:
— "ولا أنا."
مدّت يدها لتلتقط طرحتها، كأنها تتسلّح بشيء ما. وقبل أن تمر من جواره، توقّفت وسألته دون أن تنظر إليه:
— "هو… مس ليلى تعرف؟"
تردّد جزء من الثانية، ثم قال:
— "سمعت الاسم."
نظرت إليه نيرفانا بنظرة مزجت بين الخوف والغضب، تحاول الدفاع عن آخر ما تبقى لها من كرامة:
و لكنه قاطع تفكيرها
أنتِ بنت رائد الذهبي . هتنزلي دلوقتي، تلبسي اللي يليق بيكي، وتقابليه بكل وقار."
خرج رائد من الغرفة، بخطوات أثقل. في الأسفل، كان غيث ينتظر… وفي الأعلى، كانت ليلى تنتظر…
والبيت كلّه، كان على وشك أن يسمع الحقيقة.
---
💔
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
دفعت نيرفانا باب الغرفة بخطوات ثقيلة. كانت ترتدي فستانًا خفيفًا اختارته لها الخادمة بسرعة تحت إشراف رائد الصارم، لكن كل قطعة قماش عليها كانت تثقل كاهلها. وجهها شاحب، وعيناها اللتان لم تذقا النوم بعد، كانتا تحملان خليطًا من الخوف والقهر.
لم تكن تعرف ما ستفعله أو تقوله، فقط تذكرت وصية أبيها: الوقار.
هبطت السلالم، وقلبها يخفق بعنف أشبه بالطبول في ساحة معركة. عند آخر درجة، أخذت نفساً عميقاً واستدارت نحو صالون الاستقبال الكبير.
كان يجلس في صدر الغرفة، رجلٌ يختلف تماماً عن الصورة الشاحبة التي رسمتها في مخيلتها المنهكة بعد ما رأته عبر كاميرا الهاتف
غيث آسر عز الدين العزبي.
كان جالساً بكتفين عريضتين وقميص رسمي داكن، يحيطه هدوء مريب. كان شاباً، لم يتجاوز الثلاثين، بملامح حادة وجذابة، ولكن عينيه الداكنتين كانتا تحملان بروداً غريباً، كأن روحه كانت بعيدة كل البعد عن هذا المكان.
نظر إليها لحظة صمت طويلة، نظرة كانت أشبه بالمسح الضوئي، لا تحمل أي عاطفة ظاهرة.
رائد، الذي تبعها كالحارس، كسر الصمت بصوته المألوف والمسيطر:
— "غيث... دي نيرفانا."
ثم التفت نحو ابنته بحدة:
— "نيرفانا... ده غيث، وزوجك."
لم تتحرك نيرفانا. اكتفت بالوقوف عند مدخل الصالون، تشعر بأن قدميها تسمرتا في الأرض. كانت تحاول أن تقرأ شيئاً في وجه هذا الرجل الغريب الذي أصبح فجأة مسؤولاً عنها. هل سيكون قاسيًا كأبيها؟ أم مجرد ضحية أخرى لحكم رائد؟
مدّ غيث يده بهدوء لا يتناسب مع الموقف الدرامي برمته.
— "أهلاً يا نيرفانا." كانت نبرته رسمية، خالية تماماً من الحنان، لا تحمل حتى أدنى تكلف لودٍ مزيف.
نظر رائد إلى ابنته بتهديد صامت يحثها على التحرك. اضطرت نيرفانا للمشي خطوتين بطيئتين نحو الأريكة المقابلة له، وجلست على طرفها كأنها قاب قوسين أو أدنى من الهرب.
— "أهلاً بك." همست الكلمة بالكاد، عيناها لم ترفعا النظر عن حافة الطاولة الزجاجية.
جلس رائد إلى جوارها، كأنه ضابط صف يراقب جندياً تحت الاختبار.
— "تمام، كده نيرفانا عرفت كل حاجة، يا غيث. تقدر تشرح لها اللي اتفقنا عليه بخصوص الفترة الجاية. هي هادية وبتسمع الكلام."
نظر غيث إلى رائد سريعاً، بوميض في عينيه لم يفهمه رائد، ثم أعاد نظره إلى نيرفانا:
— مش محتاج أشرح أي 'اتفاقات'. اللي لازم تعرفيه إننا مضينا على الجواز من تلات ايام . وخلاص، بقيتي مسؤوليتي أنا."
هذه المرة، لم يكن مجرد صدمة. كان شعوراً بأن العالم كله انهار. رفعت نيرفانا رأسها بقوة، لتواجه عينيه للمرة الأولى، متناسية تهديد أبيها تماماً:
— "مسؤوليتك؟ وإيه هي بالظبط المسؤولية دي؟"
—
💔 قلب السلطة
— "هي قالت كده وبس؟!"
قالها شامل وهو يميل للأمام، كأن الجملة لم تستقر في عقله بعد.
ابتسمت يقين ابتسامة جانبية، مشوبة بسخرية خفيفة لم تستطع إخفاء غيظها، ثم قالت:
— "آه… قالتله بهدوء كده، ومن غير لفّ ولا دوران: مش عايزاه يا دادي.
وإنت عارف أخويا… كلمة منها تمشي الدنيا كلها."
ضرب شامل كفًا بكف، وهز رأسه غير مصدّق:
— "لا… مش منطقي. نيرفانا مش من النوع اللي يسيب فجأة.
دي كانت متعلقة بيه بشكل… غريب."
رفعت يقين كتفيها بلا مبالاة متعمدة:
— "اتغيّرت.
أو يمكن كانت بتمثل، وخلعت القناع لما زهقت."
ثم أردفت بنبرة أكثر حدّة:
— "وبصراحة؟ دلال رائد ليها بقى مستفز. مدلعها زيادة عن اللزوم، وكأنها الوحيدة اللي في الدنيا."
رفعت فنجان القهوة، ارتشفت منه ببطء، وكأنها تحاول ابتلاع ضيقها مع الرشفة، ثم زفرت زفرة طويلة.
أما شامل، فغرق في صمت ثقيل.
الخبر، بدل ما يفرّحه، أربكه.
كان ينتظر انسحاب نيرفانا منذ زمن… لكن حين حدث، شعر بشيء يشبه الفقد.
تسللت الأسئلة إلى رأسه بلا رحمة:
هل كان يعني لها أكثر مما تخيّل؟
أم أنها فقط تعبت؟
وهل التعب انسحاب… أم نوع آخر من الحب؟
قطع شروده صوت يقين، وهي تلمس ذراعه بخفة:
— "سرحت في إيه؟"
انتبه فجأة:
— "ها؟!
لا… ولا حاجة."
ضيّقت عينيها، ثم مالت نحوه وقالت بنبرة تعرف جيدًا كيف تستفزه:
— "على فكرة… أخويا سبقنا بخطوة."
رفع حاجبه باستغراب:
— "قصدك إيه؟"
ابتسمت، ابتسامة تحمل مزيجًا من الغيرة والانتصار:
— "رائد عرف يقرّب مراته تاني.
واضح إن في حاجة اتغيّرت بينهم."
قطّب شامل جبينه:
— "إزاي؟
ده كان بينهم نار."
هزّت رأسها:
— "ماعرفش التفاصيل، بس اللي شوفته بعيني إن الجليد داب.
ولما رائد يقرب… بيقرب بجد."
ثم أضافت بصوت منخفض:
— "هو دايمًا يعرف يلعب لعبته صح."
ساد الصمت من جديد.
شامل قلب الكوب بين يديه، كأنما يبحث فيه عن إجابة.
شيء في داخله لم يطمئن… بل ازداد ارتباكًا.
سألها أخيرًا، بصوت خافت:
— "يعني… عاجبك اللي بيعمله؟"
نظرت إليه طويلًا، ثم قالت بابتسامة ساخرة:
— "لا.
بس معترفة إنه ذكي."
ثم مالت نحوه وأضافت بلهجة تحمل تحذيرًا ناعمًا:
— "إحنا غيرهم، يا شامل.
وأنا عايزاك تفضل فاهم ده كويس."
ابتسم بخفة، وربّت على يدها:
— "إنتِ الوحيدة في قلبي."
ارتخت ملامحها قليلًا:
— "كده أرتاح."
نهضت وقالت:
— "قوم… تعالى ساعدني في المطبخ."
وقف معها، ثم سأل وهو يسير بجوارها:
— "إنتِ متأكدة إن اللي بينهم رجوع؟"
ابتسمت ابتسامة غامضة:
— "اللي متأكدة منه… إن اللعبة لسه ما خلصتش."
ودخلا المطبخ، بينما خلفهما، بقيت الأسئلة معلّقة في الهواء…
تنتظر لحظة الانفجار.
---
قلب ❤️ السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ما إن أغلقت يقين باب المطبخ خلفهما، حتى عاد الصمت يفرض نفسه، صمتٌ لا يشبه ذاك الذي تركاه في الصالة؛ هنا كان أثقل، أكثر لزوجة، كأنه يعرف ما يُخفى ولا يُقال.
انشغلت يقين بإخراج الأواني، تتحرّك بنشاط زائد، تضع الأشياء بقوة مقصودة، بينما كان شامل يراقبها من بعيد، بعينين شاردتين.
قال فجأة، دون تمهيد:
— "هو رائد… ناوي على إيه؟"
توقّفت يدها لحظة، بالكاد تُلحظ، ثم عادت تتحرك كأن السؤال لم يُربكها:
— "رائد؟
رائد دايمًا ناوي… بس عمره ما بيكشف ورقه."
اقترب منها، أسند ظهره إلى الرخامة، وقال بنبرة أقل ثقة مما أراد:
— "أنا حاسس إن في حاجة كبيرة بتحصل…
مش بس رجوعه لمراته، ولا انسحاب نيرفانا."
ابتسمت يقين ابتسامة جانبية، وناولته طبقًا:
— "إحساسك في محلّه.
غيث جه ."
رفع رأسه بحدة:
— "غيث مين؟!"
قالت بهدوء متعمّد، كأنها تلقي حجرًا في ماء راكد:
— "غيث آسر عز الدين…
دلوقتي، في بيت رائد. و رائد مبعرفش أن وصلني الخبر
ساد صمت مفاجئ، كأن الهواء نفسه انقطع.
شدّ شامل على حافة الرخامة، وقال ببطء:
— "إنتِ بتهزري؟!"
— "ياريت."
قالتها وهي تشعل الموقد، ثم أضافت:
— "أسر العزبي ده ما بيظهرش غير لما يكون في حاجة هتتقلب."
مرّر شامل يده على وجهه بعصبية:
— "وده معناه إيه؟"
التفتت إليه أخيرًا، بعينين تلمعان بذكاء حاد:
— "معناه إن اللي حصل مع نيرفانا مش صدفة.
ولا اللي بيحصل بين رائد ومراته."
ابتلع ريقه:
— "يعني إحنا في النص؟"
ضحكت ضحكة قصيرة:
— "إحنا دايمًا في النص يا شامل…
بس الفرق إن المرة دي، الدور علينا نفهم قبل ما نتسحب."
تقدّم خطوة، وقال بصوت منخفض:
— "ولو اللي جاي ده مواجهة؟"
اقتربت منه، وضعت يدها على صدره، وقالت بنبرة ناعمة تخفي تحتها قلقًا واضحًا:
— "يبقى نثبت.
وما نغلطش…
لأن اللي بيغلط قدّام رائد، ما بياخدش فرصة تانية."
نظر إليها طويلًا، ثم قال:
— "إنتِ خايفة؟"
هزّت رأسها ببطء:
— "لا…
أنا متحفّزة."
ثم استدارت لتكمل ما بدأت، وأضافت كأنها تتحدّث لنفسها:
— "وغيث ده…
مش داخل البيت ده غير علشان يفتح جروح كانت مدفونة."
وفي المنتصف…
كانت الخيوط كلها تُشدّ في اتجاه واحد.
---
💔
💔 قلب السلطة 💔 نعود الآن إلى صالون الاستقبال، حيث تواجه نيرفانا زوجها الغريب "غيث" لأول مرة وجها لوجه بعد إعلان الزواج.
رفع رائد حاجبه، استعدادًا لإنهاء هذا الحوار الذي بدأ يأخذ منحنى غير مرغوب فيه، لكن غيث سبقه بنبرة هادئة وحاسمة:
— "مسؤوليتي معناها إني بأمن لكِ الحماية الكاملة. بطلعك من البيت ده، وبنهي أي كلام ممكن يتقال عليكي بره، وبضمن إن مفيش حد يقدر يهددك بعد كده."
شعرت نيرفانا بالارتياح يغمرها للحظة، ثم تلاشى فوراً وهي ترى نظرة رائد التي تشبه السوط. التفتت نحو غيث مجدداً، وعيناها مليئتان بالشك:
— "ده مقابل إيه؟ أنا مش هبقى حرة... صح؟"
ابتسم غيث ابتسامة خفيفة لم تصل إلى عينيه الداكنتين.
— "الحرية نسبية يا نيرفانا. بس لو بتتكلمي عن إني أتحكم في حياتك اليومية، فـ لأ. أنا ليا هدف واحد من الجواز ده، وبعد ما يتحقق... كل واحد هيرجع لحياته. ده اتفاق تم بيني وبين والدك."
انحنى رائد للأمام قليلاً، متدخلاً بلهجة آمرة:
— "أنا اشترطت علي أبوه إن يسيبك براحتك، لحد ما تاخدي عليه. ما تنسيش إنهم أصلاً عارفين إنك لسه صغيرة. اللي مطلوب منك دلوقتي إنك تحافظي على شكل الجواز قدام الناس وبس. ودي مدة قصيرة جداً وهتعدي."
نظرت نيرفانا إليهما، هذا الزواج بدا وكأنه صفقة تجارية معقدة، وهي الطرف الأضعف فيها. شيء ما في هدوء غيث أثار خوفها أكثر من صرامة أبيها.
— "إيه هو الهدف اللي هيخليكوا تتفقوا عليا كده؟ إيه اللي يخليك تتحمل مسؤوليتي من غير ما تعرفني أصلاً؟" سألت نيرفانا بصراحة موجوعة.
ألقى غيث نظرة سريعة على رائد، ثم أعاد نظره إلى نيرفانا، ورفع يده قليلاً كمن يزن كلمة في الهواء قبل أن يطلقها. كانت كلماته مسموعة وواضحة، لكن المعنى وراءها كان أعمق بكثير.
— "هدف بسيط جداً. يتعلق بأمور تخص العائلة... وأمن العزبي. وأنتِ، ، جزء مهم جداً في تحقيق الهدف."
وقف غيث فجأة، منهياً النقاش. كانت حركته مفاجئة وحاسمة.
— "أنا همشي دلوقتي، هتجهزلِك عربية هتكون تحت تصرفك، وهنسافر بكرة الصبح."
— "نسافر فين؟!" شهقت نيرفانا مذعورة.
تدخل رائد بهدوء قاتل:
— "هتسافري معاه اسكندرية . هتعيشي في شقته هناك. وهو هيتكفل بكل الترتيبات."
نظرت نيرفانا إلى أبيها بحسرة، ثم إلى زوجها الذي لا تعرفه. شعرت بأنها تنتقل من سجن إلى سجن آخر، لكن هذه المرة تحت اسم "الزواج".
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
أُغلق الباب خلف غيث في هدوءٍ مستفز، كأن خروجه لم يترك أثرًا يُذكر… لكن الحقيقة أن البيت كلّه كان قد اهتزّ.
ظلّ رائد واقفًا مكانه لثوانٍ، ظهره مستقيم، وكتفاه مشدودتان، كمن أنهى معركة ولم يسمح لنفسه بعد أن يشعر بثقلها.
أما نيرفانا، فكانت واقفة أمامه، لا تنظر إليه، كأنها تخشى أن ترى في عينيه ما لا تحتمله.
قطع الصمت صوته، منخفضًا لكن حاسمًا:
— "اطلعي فوق."
رفعت رأسها أخيرًا:
— "بابا—"
— "اطلعي."
قالها دون حدّة، لكن بنبرة لا تقبل نقاشًا.
أومأت بصمت، واستدارت تصعد السلم بخطوات بطيئة.
كل درجة كانت أثقل من سابقتها، كأنها تصعد فوق قرارها نفسه.
وحين غابت في الأعلى، تنفّس رائد أخيرًا… زفرة قصيرة، مكتومة، لا تشبهه.
وفي تلك اللحظة، كانت ليلى تقف خلف باب الغرفة نصف المفتوح.
لم تسمع كل شيء… لكنها سمعت ما يكفي.
الاسم.
النبرة.
الصمت الذي أعقب خروجه.
حين دخل رائد، كانت جالسة على حافة السرير، أصابعها متشابكة، وعيناها معلّقتان عليه، تقرآن فيه أكثر مما يقول.
أغلق الباب خلفه بهدوء، وتقدّم خطوة… ثم توقّف.
قالت هي أولًا، بصوت حاولت أن تجعله ثابتًا:
— "مشي؟"
أومأ:
— "مشي."
— "وجِه ليه؟"
تردّد جزءًا من الثانية، ثم قال:
— "ليلى… اللي حصل تحت مالوش علاقة بيكِ."
نظرت إليه طويلًا، وقالت بصوت هادئ موجوع:
— "أنا مش خايفة من علاقتي بيه
أنا خايفة من اسم أسر العزبي نفسه .
شدّ على يدها:
— "اللي فات انتهى."
هزّت رأسها ببطء:
— "اللي فات بيسيب أثر…
وأنا حسّاه دلوقتي."
صمت.
ثم قالت فجأة:
— "هو قال إيه؟"
نظر في عينيها مباشرة، بلا مواربة:
— "قال اللي كان لازم يتقال…
وسمع اللي ما كانش عايز يسمعه."
تنفّست بعمق، ثم قالت:
— "يبقى المواجهة خلصت؟"
ابتسم ابتسامة خفيفة، لا تصل لعينيه:
— "المواجهات عمرها ما بتخلص…
بس النهارده، إحنا واقفين."
مدّ يده، لمس خدّها برفق، وأضاف بصوت أخفض:
— "وأنا مش هسيب حاجة تكسرك تاني."
أغمضت عينيها للحظة، كأنها تحاول أن تصدّقه… أو أن تستند عليه.
---
❤️
بقلمي مروه البطراوى
💔 قلب السلطة 💔
عادت نيرفانا إلى غرفتها، واليأس يثقل خطواتها. بدأت تجمع بعض ملابسها في الحقيبة، لكن يديها كانتا ترتعشان لدرجة أنها لم تستطع التركيز.
تذكرت أنها الآن "مسؤولة" من رجل غريب، ستنتقل إلى حياته الجديدة، ولا يوجد أحد لتستند إليه. شعور الوحدة دفعها للبكاء بصمت وهي تضع هاتفها على وضع الاستعداد.
خرج رائد من غرفه ليلي و ضغطت نيرفانا على زر الاتصال بليلى. رنّ الهاتف مرتين قبل أن يأتي صوت ليلى، حادًا ومحتويًا على شيء من التوتر المكتوم:
— "آلو؟"
بلعت نيرفانا ريقها، وحاولت أن تبدو طبيعية قدر الإمكان، متذكرة أوامر أبيها بالتهدئة:
— مش ليلى... إزيك؟المفروض اجيلك اوصتك اكلمك بس مش عايزة بابا يعرف اني كلمتك .
— "كويسة يا نيرفانا. خير؟ صوتك مش عاجبني." لاحظت ليلى فورًا التغير في نبرة ابنة زوجها.
— "مفيش حاجة، بس... أنا محتاجة أتكلم معاكي ضروري. أنا مسافرة بكرة الصبح."
صمتت ليلى للحظة، ثم سألت بحدة:
— "مسافرة فين ومع مين؟"
— "مسافرة اسكندرية . مع غيث... جوزي." قالت نيرفانا الكلمة الأخيرة بصعوبة، كأنها تعترف بشيء مؤلم.
— "جوزك؟!" كررت ليلى الكلمة بصدمة مكتومة، كأنها لم تستوعب بعد وجود غيث في البيت. "نيرفانا، إيه اللي حصل ده كله؟ رائد عمل إيه؟"
نظرت نيرفانا إلى الباب المغلق، وتحدثت بهمس:
— "مفيش وقت أشرحلك. من فضلك اطلبي من بابا إنك تيجي معايا بكرة الصبح. بحجه إنك هتساعديني في الشقة الجديدة في اسكندرية لحد ما أستقر."
تغير صوت ليلى من الصدمة إلى اليأس المرير:
— "أجي معاكي؟ إيه الكلام ده؟ أنا مش فاهمة... رائد عايز إيه بالظبط؟"
— "مش عارفة يا مس ليلى، والله مش عارفة أي حاجة. أنا بس عايزة حد يكون معايا. أرجوكي... إنتي الوحيدة اللي ممكن أفهم منها أي حاجة." توسلت نيرفانا، وقد عادت دموعها تتدفق.
صمتت ليلى صمتاً أطول هذه المرة، ربما كانت تحاول فهم اللعبة الجديدة التي يلعبها رائد. هذا الرجل لم يترك أحداً يهدأ أبدًا.
— "طيب... ماشي يا نيرفانا. أنا هحاول أتصرف وأشوف إيه بالظبط اللي رائد عايزه. هكون معاكي بكرة الصبح."
— "شكراً يا مس ليلى."
أنهت نيرفانا المكالمة، وشعرت بشيء من الراحة المصحوبة بالذنب. لقد جرت ليلى إلى دائرة مجهولة أخرى ، لكن على الأقل، لن تذهب وحيدة إلى سجنها الجديد.
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في الشرفة، ظلّ شامل واقفًا بعد انتهاء المكالمة، التي انتهت الهاتف ما زال في يده، وكأن صوته تجمّد عند آخر كلمة قالها غيث.
فاضي.
الكلمة كانت أخطر من أي تهديد.
دخلت يقين بخطوات هادئة، توقّفت عند الباب تراقبه للحظة، ثم قالت:
— "مين كان بيكلّمك؟"
التفت إليها ببطء، حاول أن يخفي ارتباكه، لكنه فشل:
— "غيث."
تجمّدت ملامحها لثانية واحدة فقط، لكنها كانت كافية.
— "وقال إيه؟"
تقدّم خطوتين، وضع الهاتف على الطاولة، وقال بصوت منخفض:
— "ولا حاجة واضحة…
بس كلامه مش مريح."
اقتربت منه، حدّقت في عينيه، وقالت بلهجة حازمة:
— "إبعد عنه، يا شامل.
الواد ابن راحل ده لما بيخسر، ما بيمشيش… بيلف."
شدّ على فكّه:
— "حاسس إنه مش ناوي يسيبها كده."
— "ولا أنا."
قالتها وهي تشبك ذراعيها.
— "وعلشان كده، لازم تبقى واعي.
رائد مش خصم سهل… و أسر أخطر لما يحس إنه خرج من اللعبة."
سكت لحظة، ثم أضافت بنبرة أخفض:
— "وأنت…
لازم تكون عارف إنت واقف فين."
نظر إليها، كأنه يحاول أن يجد في عينيها يقينًا حقيقيًا، لا الاسم فقط.
— "أنا واقف معاكي."
ابتسمت، لكن ابتسامتها لم تطمئنه هذه المرة.
---
في القصر ، كانت ليلى قد غفت قليلًا، رأسها على كتف رائد.
ظلّ ساكنًا، لا يريد أن يوقظها، لكن ذهنه لم يعرف السكون.
اسم غيث لم يكن جديدًا عليها…
ولا إحساس الخطر.
كانت ليلى قد فتحت عينيها، تنظر إليه بقلق:
— "في حاجة؟"
اقترب منها، جلس جوارها، وقال بهدوء مقصود:
— "مفيش…
بس يمكن الأيام الجاية تحتاج مننا نكون أقوى شوية."
شدّت على يده:
— "إحنا سوا."
نظر إليها طويلًا، وقال بصوت لا يسمعه غيرهما:
— "وده اللي هيخلّيني ما أغلطش."
وفي مكانٍ بعيد،
كان غيث يقف وحده، ينظر إلى المدينة من أعلى،
وفي عينيه…
قرار لم يُقال بعد.
---
❤️
قلب السلطة – بقلمي مروه البطراوى
نيرفانا في غرفتها. لم تعد تشعر بالغضب؛ فقط بالخدر التام. الزواج، الرحيل، والتعليمات الصارمة... كل شيء حدث بسرعة مهولة، جردها من القدرة على المقاومة أو حتى الاستيعاب.
ألقت نيرفانا بنفسها على السرير. الغرفة التي قضت فيها طفولتها ومراهقتها بدت باردة وغريبة الليلة. هذه الليلة هي الأخيرة لها في هذا البيت، الذي كان سجناً حقيقياً في الآونة الأخيرة.
مرّت يدها على الفراش، تفكر في الحياة التي كانت تستعد لها قبل أشهر قليلة: الزواج من أوس، والأمل في بداية هادئة، ثم الانهيار المدوي و ضياعها علي يد ادم حمدى ، وأخيراً، هذه النهاية السريعة التي فرضت عليها زوجاً غريباً ومستقبلاً مجهولاً.
مصيرها أصبح معلقاً بأهداف أبيها وزوجها الغريب. "ما ينفعش تخلف من غيث"... لم تفهم نيرفانا ما قاله رائد لليلى، لكنها استوعبت أن هذا الزواج هو قناع لحماية من الأعين الفضولية، وليس أساساً لأسرة جديدة.
فجأة، انفتح باب الغرفة بهدوء شديد.
لم يكن رائد. كانت ليلى، دخلت الغرفة تحمل حقيبتها الصغيرة وملامحها مغطاة بالهم.
— "مس ليلى!" همست نيرفانا .
أغلقت ليلى الباب خلفها واقتربت من السرير وجلست بجوار نيرفانا، وهي تربت على كتفها بحنان غابت عنها الحاجة إليه طويلاً.
— "إيه اللي عمله فيكي ده؟ جوزك لشخص ما تعرفيهوش؟!" سألت ليلى بمرارة.
— "مش عارفة يا مس ليلى. هو قال إن ده تأمين ليا. بس أنا خايفة أوي."
تنهدت ليلى:
— "أنا عارفة. عشان كده مش هسيبك. أنا هسافر معاكي بكرة الصبح زي ما طلبتي."
نظرت نيرفانا إليها بتوسل:
— "طب قوليلي، إيه اللي قالهولك بابا؟ قالك إيه بالظبط عن غيث؟"
اقتربت ليلى منها، وخفضت صوتها إلى أقصى حد:
— "قال إن الجواز ده مؤقت. وقال إن غيث عنده هدف تاني... حاجة ليها علاقة بـ 'أمن عيلة العزبي'. نيرفانا... أنا شايفة إن الموضوع أكبر من تأمين لمستقبلك. أنا حاسة إنك قطعة في لعبة كبيرة."
— "طب والحل؟" قالت نيرفانا بيأس.
أمسكت ليلى بيد نيرفانا بقوة:
— "الحل إننا نفضل مع بعض. وهنحاول نفهم إيه اللي بيحصل في اسكندرية . متخافيش. بس إياكي... إياكي تقولي لغيث أي كلمة عن اللي كان بيحصل هنا في البيت
هزّت نيرفانا رأسها، واثقة في ليلى أكثر من أي شخص آخر في العالم.
— "أكيد يا مس ليلى. متخافيش. أنا هعمل أي حاجة تخليني أخرج من الوضع ده."
بقيت ليلى جالسة إلى جوارها لبعض الوقت، في صمت كان أبلغ من أي كلام. كانت ليلة طويلة، تحمل عبء الماضي ومخاوف المستقبل. مع أول خيط ضوء للفجر، ستغادر نيرفانا المنزل، لتبدأ الفصل الجديد من حياتها كزوجة لغيث آسر، وبصحبة ليلى التي تحمل سراً ثقيلاً وأوامر جاسوسة.
قلب السلطة بقلمي ❤️ مروه البطراوى 💜
في اليوم التالي، هدوء البيت كان كاذبًا.
كل زاوية، كل صوت خافت، كل خطوة على الأرض كانت توحي بأن شيئًا على وشك الانفجار.
نيرفانا جلست في غرفتها، دفترها مفتوح، لكنها لم تكتب شيئًا.
عيناها ثابتتان على الباب، وكأنها تنتظر ظهور شخص ما… أو كلمة تغيّر كل شيء.
اسم غيث كان يرنّ في ذهنها بلا توقف.
في الأسفل، رائد كان في مكتبه، أوراق متفرقة أمامه، ويده تضغط على القلم بلا وعي.
كل رسالة، كل اسم، كل ملف… كان يُعيد له الذكرى، ويوقظه من هدوءه الزائف.
دخلت ليلى بهدوء، وقفت عند مدخل الغرفة، قالت بصوت خافت:
— "رائد … في حاجة مضايقاك؟"
رفع رأسه، نظر إليها بعينين مشتعلة، لكنه حاول أن يخفي القلق:
— "ولا حاجة… بس في حاجات محتاجة تتظبط."
وفي نفس الوقت، في شرفة، منزله كان شامل يقف، عيناه ثابتتان على الشارع، الهاتف في يده.
كان يسمع كل شيء يحدث …
