رواية عشق ودموع الفصل الرابع 4 بقلم سوسو أحمد


رواية عشق ودموع الفصل الرابع بقلم سوسو أحمد 


 حين يصبح الصمت اعترافًا. 


استيقظت مريم في ذلك الصباح قبل المنبّه بدقائق، ليس لأنّها نالت قسطًا كافيًا من النوم، بل لأن عقلها لم يتوقف أصلًا. فتحت عينيها على سقف الغرفة، وشعور ثقيل يجثم على صدرها، كأنها حملت قرارًا لم تتخذه بعد، لكنه اتخذ مكانه داخلها. التفتت نحو يوسف، كان نائمًا بعمق، ملامحه هادئة، مطمئنة، كما اعتاد دائمًا. مدّت يدها ولمسته بخفة، كأنها تتأكد من وجوده، أو ربما من نفسها، وفي تلك اللحظة شعرت بوخزة ذنب حادة… كيف يمكن لقلب أن يخون دون فعل؟ نهضت بهدوء، ارتدت ملابسها، ووقفت أمام المرآة، لم ترَ امرأة ضائعة، بل امرأة متعبة من المقاومة، قالت لنفسها بصوت منخفض: النهارده… يا إما أرجّع نفسي، يا إما أضيع أكتر. في الطريق إلى العمل كان الهاتف صامتًا، لا رسائل، لا اتصالات، ذلك الصمت كان مريبًا أكثر من أي إلحاح. دخلت المكتب وبدأت يومها كالمعتاد، لكن كل شيء بدا باهتًا، الأصوات أقل وضوحًا، الوجوه بلا ملامح، والوقت يمر ببطء مستفز، وحين سمعت اسمه في أحد الاجتماعات شعرت بقلبها يقفز قفزة صغيرة خائنة. آدم كان حاضرًا، لكن مختلفًا، لم ينظر إليها، لم يمر صوته عليها، كان مهنيًا أكثر من اللازم، باردًا على نحو موجع، وكأن لقاء الأمس لم يحدث. ذلك التجاهل أربكها أكثر من أي اقتراب، لأنها فجأة لم تعد تعرف هل ارتاح لأنه تراجع أم تألم لأنه فعل. بعد الظهر خرجت لتأخذ قسطًا من الهواء، وقفت في الشرفة الصغيرة تحاول أن ترتّب أفكارها، وفجأة سمعت صوته خلفها يناديها باسمها، استدارت ببطء، كان يقف على مسافة كما وعد، لكن عينيه لم تكونا بعيدتين. قال بهدوء حذر إنه لم يأتِ ليتحدث عن الماضي، لكنه جاء ليخبرها أن قرارًا قد اتخذ، انقبض صدرها وسألته عن القرار، فأخبرها أنه طلب نقله من المشروع. اتسعت عيناها دون إرادة وسألته لماذا، فابتسم ابتسامة صغيرة موجوعة وقال إن بعض الأشياء إذا ظلت قريبة تفسد كل شيء. سكتت، لم تقل له ابقَ ولم تقل له ارحل، لكن صمتها كان أعلى من أي كلمة. أكمل حديثه قائلًا إنه لا يلعب دور الضحية، لكن هناك معارك يجب الانسحاب منها قبل أن يخسر الإنسان نفسه. مرّ بجانبها، وقبل أن يبتعد قال دون أن يلتفت إنه لو جاء يوم وشعرت فيه أنها تحتاج أن تختار نفسها فستجده فاهمًا، ثم رحل. وقفت مريم وحدها تشعر أن الأرض فقدت توازنها، لم يكن هذا ما توقعته، ولم يكن هذا ما أرادته ولا ما خافت منه. في المساء عادت إلى البيت، كان يوسف ينتظرها، جلسا معًا وتحدثا عن اليوم وعن أشياء بسيطة، لكنها كانت تشعر أن المسافة بينهما صارت أوضح لأنها صارت واعية بها. فجأة قال يوسف بهدوء غير معتاد إن مريم متغيرة، رفعت رأسها وسألته كيف، فأجاب أنها ليست بعيدة لكنها ليست قريبة كما كانت، صمت لحظة ثم أضاف أنه ليس زعلانًا لكنه خائف. تجمّد قلبها، ذلك الخوف تحديدًا هو ما لم تكن مستعدة لمواجهته. في تلك الليلة جلست وحدها في الشرفة، الهواء بارد والمدينة صامتة، أمسكت هاتفها وفتحت رسائله القديمة، لا شيء جديد ولا يجب أن يكون، لكنها أدركت حقيقة واحدة واضحة ومؤلمة، أن بعض الناس لا يطلبون منك أن تختاريهم، بل يضعونك أمام نفسك ثم يغادرون. أغمضت عينيها وهمست: وأنا؟ أنا رايحة فين؟ وفي مكان آخر كان آدم يوقّع أوراق نقله، ويعرف في أعماقه أن الابتعاد أحيانًا… أصعب أشكال الحب. 


مرّ الليل ثقيلًا، ليس بطوله، بل بما تركه معلقًا داخلها. لم تبكِ، ولم تهدأ، كانت فقط حاضرة أكثر من اللازم، كأن الوعي نفسه صار عبئًا. مع أول خيط ضوء، شعرت أن المدينة تستيقظ بينما هي لم تنم بعد، وأن كل شيء يتحرك في اتجاه ما، إلا قلبها العالق بين سؤالين لا إجابة لهما. قامت من مكانها ببطء، أعدّت قهوتها، جلست أمام النافذة، تراقب الشارع وهو يستعيد صوته المعتاد، نفس المشهد، لكن بنظرة مختلفة، نظرة شخص يعرف أن شيئًا ما انتهى دون أن يُغلق بابه رسميًا. حاولت أن تقنع نفسها أن ما حدث طبيعي، أن آدم اختار الحل الأسلم، وأن يوسف لم يفعل شيئًا يستحق هذا الارتباك، لكن المشاعر لا تعترف بالمنطق، ولا تمشي في صفوف منتظمة. في العمل، مرّ اليوم هادئًا أكثر من اللازم، لا اجتماعات تجمعها به، لا صوته يقطع تركيزها، لا نظرة عابرة تربكها، كان الغياب منظمًا، محترفًا، موجعًا بطريقته الخاصة، كأن المكان نفسه يتجنّب ذكره احترامًا لقرار لم يُعلن. لاحظت أنها كلما مرّت بسؤال، لم تعد تبحث عن إجابة بقدر ما تبحث عن صدق، صدق مع نفسها قبل أي أحد، وبدأت تفهم أن الخيانة ليست دائمًا فعلًا، أحيانًا تكون صمتًا طويلًا، أو رغبة مكبوتة، أو تمنيًا عابرًا لم يُقاوَم بما يكفي. في المساء، جلس يوسف إلى جوارها كعادته، حاول أن يفتح حديثًا، أن يستعيد قربًا قديمًا، لكنها كانت حاضرة بنصفها فقط، النصف الآخر كان يحاول ألا يقارن، ألا يظلم، ألا يختار قبل أن يفهم. شعرت بثقل المسؤولية، مسؤولية أن تكون عادلة مع رجل لم يقصّر، ومع نفسها التي لم تعد كما كانت. قبل النوم، عادت للشرفة، نفس المكان الذي صار شاهدًا على كل الأسئلة، نظرت للسماء وقالت بصوت بالكاد يُسمع إن الاختيارات المؤجلة لا تموت، بل تنضج، وإن الهروب لا يلغي الحقيقة، يؤجل مواجهتها فقط. في تلك اللحظة، لم تفكر في آدم كشخص، بل كمرآة، مرآة أظهرت لها فراغًا لم تكن تراه، واحتياجًا لم تعترف به. وفي مكان آخر، كان آدم يحزم أشياءه بهدوء، لا ندم ولا بطولة، فقط قناعة ثقيلة بأن بعض القصص لا يُكتب لها الاكتمال، لكنها تُكتب لتوقظنا، ليعرف كل طرف ما الذي ينقصه، وما الذي يستحق أن يُقاتل من أجله. ومع كل نفس جديد، كانت مريم تقترب خطوة من نفسها، لا من قرار نهائي، بل من صدق لا يحتمل التأجيل، صدق سيجبرها قريبًا على الاختيار، إما أن تبقى كما هي وتخسر ببطء، أو تواجه الحقيقة كاملة، مهما كان ثمنها.


ومع اقتراب منتصف الليل، كانت مريم قد حسمت أمرًا واحدًا فقط: لا يمكنها الاستمرار بهذا الشكل. لم تعد قادرة على الاحتماء بالصمت، ولا على إقناع نفسها أن الأيام ستُصلح ما أفسدته الأسئلة، كانت تشعر أن داخلها شيئًا يتحرك، يتمرّد، يطالب بأن يُسمَع، حتى لو لم يُطِع. دخلت غرفة النوم، يوسف كان مستلقيًا يقرأ في هاتفه، رفع عينيه إليها وابتسم ابتسامة صغيرة، تلك الابتسامة التي كانت يومًا كافية لتهدئة كل شيء، اقتربت، جلست على طرف السرير، صمتت، ثم قالت بصوت هادئ أكثر مما شعرت: يوسف… ممكن نتكلم؟ توقّف عن القراءة فورًا، استقام في جلسته، وقال دون تردد: طبعًا… في إيه؟ ترددت، الكلمات التي ظلّت محبوسة لأيام شعرت فجأة بثقلها الحقيقي، لم تكن تخاف من الكلام… بل من ما سيأتي بعده، فقالت: أنا… حاسة إني مش صادقة زي الأول. لم يفهم في البداية، لكنها رأت القلق يتسلل إلى عينيه، فسأل: مش صادقة في إيه؟ ابتلعت ريقها وقالت ببطء: مع نفسي… ومعاك. ساد الصمت، صمت ثقيل لا يحتمل المزاح ولا التأجيل، يوسف لم يرفع صوته ولم يغضب، فقط سأل بصوت خافت: يعني إيه؟ نظرت إليه، إلى الرجل الذي لم يؤذِها يومًا، وقالت الحقيقة الوحيدة التي استطاعت نطقها: حاسة إن في حاجة ناقصة… ومش عارفة أكمّل وأنا متجاهلاها. طالت اللحظة، كان ينظر إليها وكأنه يحاول أن يرى ما لم تقله لا ما قالته فقط، ثم قال بهدوء موجع: الناقص ده… اسمه إيه؟ لم تجب، لكن صمتها كان إجابة كاملة، تنفّس بعمق، أدار وجهه قليلًا وقال: أنا عمري ما خوّفتك… صح؟ اهتز صوتها وهي تجيب: لا. ولا عمري قيّدتك؟ أبدًا. أومأ كأنه يثبّت الحقيقة لنفسه ثم قال: يبقى المشكلة مش فيا… المشكلة إنك مش هنا. كلماته أصابتها في العمق، لم تبكِ، لكنها شعرت أن شيئًا انكسر، ليس بينهما فقط بل داخلها، وقف يوسف أخيرًا وقال بنبرة حاسمة هادئة: خلّي بالك… اللي مش بنواجهه وهو صغير، بيكبر لحد ما ياخد كل حاجة، ثم خرج من الغرفة تاركًا الباب مواربًا كأن القرار لم يُغلق بعد. جلست مريم وحدها تشعر أن الهواء صار أثقل، أمسكت هاتفها دون وعي، نظرت إلى الشاشة المظلمة، ترددت ثم ترددت ثم أغلقت الهاتف، لكن قبل أن تضعه جانبًا أضاءت الشاشة، رسالة واحدة، رقم تعرفه جيدًا، آدم: «أنا مسافر بكرة بدري… حبيت تكوني عارفة.» تجمّدت، لم تكن الرسالة اعترافًا ولا طلبًا ولا حتى وداعًا واضحًا، لكنها كانت كافية لتفتح كل الأبواب التي حاولت إغلاقها، رفعت رأسها، نظرت إلى الباب المفتوح ثم إلى الهاتف، وهمست لنفسها بصوت مرتجف: هو دايمًا لازم الاختيار ييجي متأخر؟ وضعت الهاتف على صدرها، أغمضت عينيها، وفي تلك اللحظة فقط فهمت الحقيقة التي كانت تهرب منها منذ البداية.


فتحت عينيها ببطء، ولم تتحرك، كأنها تخشى أن ينهار شيء إذا غيّرت وضعها. كان الهاتف ما زال على صدرها، دافئًا، كأنه يحمل نبضًا ليس نبضها وحده. نهضت أخيرًا، سارت نحو الشرفة، الباب ما زال مواربًا كما تركه يوسف، وكأن البيت نفسه في حالة انتظار. وقفت تنظر إلى الشارع الخالي، الليل ينسحب ببطء، والفجر يقترب دون استئذان، وفهمت فجأة أن بعض اللحظات لا تطلب منا قرارًا فوريًا، لكنها تسرق منا حق التأجيل. لم تكن تفكر في آدم كرجل، ولا في يوسف كزوج، كانت تفكر في نفسها للمرة الأولى دون تبرير، دون دفاع، دون محاولة أن تكون “الصح”. أدركت أن الصمت الذي احتمت به طويلًا لم يكن حيادًا، بل اختيارًا خفيًا، وأن كل يوم مرّ وهي تؤجل المواجهة كان خطوة أبعد عن الحقيقة. عادت بنظرها إلى الباب المفتوح، إلى المسافة التي صنعها يوسف دون صراخ، وفهمت أن الخسارة لا تأتي دائمًا مع الضجيج، أحيانًا تأتي بهدوء مؤلم يشبه الاحترام. أمسكت الهاتف مرة أخرى، فتحت الرسالة، قرأتها للمرة الثالثة، ثم أغلقت الشاشة دون رد، لا لأنها لا تريد، بل لأنها أخيرًا فهمت أن أي كلمة الآن ستكون وعدًا، أو كسرًا، ولا تحتمل أيًّا منهما. جلست على الكرسي، وضعت رأسها بين كفيها، وهمست لنفسها: المرة دي… مفيش هروب. في تلك اللحظة، وعلى بعد كيلومترات قليلة، كان آدم يقف أمام حقيبته المغلقة، ينظر إلى انعكاسه في المرآة، يدرك أن الرحيل لن يُنقذه بقدر ما سيكشف ما تركه خلفه، وأن بعض النساء لا يُغادرنك حتى وأنت تبتعد. ومع أول أذان فجر، كانت مريم ما زالت مستيقظة، لا تنتظر رسالة، ولا تتخذ قرارًا، لكنها تعرف يقينًا أن الصباح القادم لن يكون عاديًا، وأن اليوم الذي يبدأ بعد هذه الليلة… سيجبرها على الاختيار، اختيار لا رجعة فيه، إما أن تعود خطوة كاملة، أو تمضي خطوة لا يمكن التراجع عنها.


— —


مريم في نفسها ياتري ماذا يخبئ لي الزمن والحياه من اوجاع اخري قلبي بنزف الم ياالله تعب قلبي مابين حب سيفارق وباب ظلم قلبي معاه رغم عني فرض عليا لانقاذ من احببت من النهايه الموجعه للقلبي جرحت قلبها يارب احفظه حتي وهو ليس لي لاجله هو واولاد عمري ساضحي بعشق قلبي سيوجعها راحيلي يالله اني عالق بينه وبين حاضر سيدمرني

الفصل الخامس من هنا


stories
stories
تعليقات