رواية وليتني لم التفت الفصل الرابع 4 بقلم الاء محمد حجازي

 

رواية وليتني لم التفت الفصل الرابع بقلم الاء محمد حجازي

تعرفي يا ماما… إستبرق صاحبتي بتحب زين خطيبي.

الكلمة نزلت على إستبرق زي السكينة.
وقفت مكانها، نفسها اتقطع، و سندت ضهرها على الحيطة من غير ما تحس.

أم رحمة ردّت باستغراب:
— إيه الكلام ده؟ أكيد لا… إستبرق عمرها ما تبص لخطيبك، دي بنت محترمة.

رحمة ضحكت ضحكة خفيفة، ضحكة فيها حاجة غريبة:
— ما أنا عارفة، بس حسّيت يعني…

لسه أمها هترد…
رنّ التليفون.

رحمة قالت بسرعة:
— ده زين، خطيبي… هقوم أرد وأرجع أكملك.

في اللحظة دي…
إستبرق ما استحملتش.
لفّت بهدوء، ونزلت السلم خطوة خطوة، كإن كل درجة كانت بتاخد منها حتة.

خرجت من العمارة ومشيت.
مشيت من غير ما تعرف هي رايحة فين.
مشيت والدموع محبوسة في عينها، والوجع قافل على قلبها بإيده.

فضلت تمشي…
تمشي…
لحد ما لقت نفسها واقفة قدام الكورنيش.

الهوا كان تقيل، والبحر قدامها ساكت، كإنه فاهم.
وقفت تبص قدامها، وشها شاحب، وعينيها مليانة حكايات ما اتقالتش.

حبيب عمرها…
بقى خطيب صاحبتها.
وصاحبتها…
حاسّة، وساكتة، ومكمّلة.

وهي؟
واقفة في النص.
لا عارفة تصرخ، ولا عارفة تنسى، ولا عارفة تمشي من غير ما قلبها يفضل هناك.

فضلت واقفة…
الهدوء ده كان أسوأ من أي دوشة، لأنه سيّب عقلها فاضي… فالأفكار هاجمت.

فضلت باصة قدّامها، بس مش شايفة حاجة.
كانت بتسأل نفسها أسئلة ملهاش إجابات، أو يمكن ليها بس هي مش قادرة تتحملها.

طب هي…
هي لما كانت عارفة إن زين متقدّم لها؟
كانت عارفة؟ ولا حاسة؟ ولا عاملة نفسها مش واخدة بالها؟

سكتت لحظة… وبعدين سؤال تاني ضربها في قلبها.

طب أنا لو كنت مكانها؟
لو عرفت إن صاحبتي بتحب الشخص اللي جاي يتقدملي؟
كنت هوافق؟

الإجابة جت بسرعة، قاسية، من غير تفكير:
لأ.

لأ لو بحبه.
لأ لو مقدّراه.
لأ لو لسه فيها ذرة صاحبة.

طيب…
يمكن هي بتحبه؟
ما هو يتحب فعلًا…
شكله، حضوره، هدوءه…
يمكن أنا مش الوحيدة اللي شافته بعيني.

الفكرة وجعتها أكتر من الغدر نفسه.
إنه ماكنش بتاعها من الأول.
إنه كان اختيار… وهي كانت مجرد متفرّجة.

وقفت فترة مش حاسة بالوقت.
ولا بالناس اللي بتمشي حواليها.
ولا بالعربيات.
ولا بالدنيا.

لحد ما صوت جه من وراها، صوت مألوف على غير توقيته:
على فكرة… أنا مكتوبلي أعكسك والله.

لفّت ببطء، باستغراب.
عينها وقعت عليه… يعقوب.

بصتله بنظرة تعب أكتر من ضيق، وقالت بملل:
— هو أنا ما ورايش غيرك؟

ابتسم، ابتسامة خفيفة كده، وقال:
— حظك ونصيبك يا جميلة.
وبعدين كمل وهو بيبص عليها:
— واقفة شايلة طاجن ستّك كده ليه؟ فيه إيه؟

اتنفست بعصبية، وردّت بنرفزة:
— وإنت مالك؟
وإنت إيه اللي جابك موقفك جنبي وبتنحشر في اللي مالكش فيه؟

ضحك، ضحكة هادية ما استفزّتهاش، بالعكس… لخبطتها.
— خلصتي؟ مالك بقى؟

ردّت بسرعة:
— مالك إيه؟ أنا كويسة أهو.

بصّ لها شوية: 
— مستغربة.

سكتت.
هو كمّل بهدوء:
— وبعدين؟
إنتِ زعلانة ليه قوي كده؟

شدّت نفسها، وقالت بنبرة دفاع:
— وإنت عايز تعرف ليه؟
يعني إنت لاحظت إني مش كويسة إزاي؟

اتنهد وقال بصدق غريب:
— تصدقيني لو قلت لك…
أنا حاسس إني أعرفك كويس أوي.

الكلمة وقعت تقيلة.
مش لأنها حب.
لكن لأنها فهم.

فضلت باصاله شوية، نظرة طويلة، كأنها بتشوفه لأول مرة بجد.
وبعدين قالت بهدوء:
— عن إذنك… عشان اتأخرت.

هز راسه بابتسامة صغيرة:
— إذنك معاكي.

ومشيت.
بس المرّة دي…
ما مشيتش هربانة.
مشيت وهي أول مرة تحس إن في حد شاف وجعها
من غير ما يكون سبب فيه.
-------------------------------
رجعت البيت وقعدت شوية، بتحاول تهرب من التفكير، من الذكريات، من الصورة اللي بقت واضحة زيادة عن اللزوم.
فضلت سرحانة لحد ما صوت الموبايل قطع الصمت.
رنّة واحدة.
وبعدين سكت.
وبعدين رن تاني.

بصّت في الشاشة.
رحمة.

قعدت ثانيتين تبص للاسم.
ضغطت رد.

– ألو؟
– إنتِ فين يا بنت؟ بقالي كام يوم مش سامعة صوتك!

صوت رحمة كان عادي…
عادي زيادة عن اللزوم.

– كنت مشغولة شوية.
– مشغولة؟! ده أنا صاحبتك!
ضحكت بخفة وأضافت:
– ولا عشان بقيت مخطوبة خلاص نسيتيني؟

إستبرق حاولت تضحك…
ما طلعتش.

– لا طبعًا.
– طيب بصي، أنا خارجة بكرة وكنت عايزاكي تيجي معايا نشتري شوية حاجات… ونخرج كده، بقالنا كتير ما خرجناش سوا.

سكتت إستبرق شوية.
– طيب… هأستأذن بابا وأكلمك.

قفلت.
قعدت دقيقة …وبعدين قامت.

باباها كان قاعد، أول ما شافها لاحظ الشحوب اللي في وشها، بس ما علّقش.
قالتله إنها خارجة مع رحمة.
هز راسه بهدوء:

– اطلعي غيري، وما تتأخريش.

—لا انا هروح بكره بس قولت اعرفك دلوقتي؟ 
–تمام. 
دخلت أوضتها ونامت وصحيت تاني يوم صلت، 
لوبست لبس بسيط، لا فيه روح،بس كان ذوق.
كلمت رحمة.

– خلصت.
– قشطة، نتقابل في الكافيه بتاعنا.

قفلت.
وأخدت نفس طويل.

وصلت الكافيه بدري شوية.
قعدت في الركن اللي دايمًا بيقعدوا فيه.
طلبت عصير… وما شربتش.

وفجأة…
الباب اتفتح.

دخلت رحمة.

بس مش لوحدها.

كانت ماسكة إيد زين.

إستبرق حسّت كأن حد خبطها في صدرها بمطرقة.
الصورة اللي كانت بتحاول تهرب منها…
جت لحد عندها.

رحمة كانت بتضحك.
زين كان بيتكلم.
الاتنين شكلهم طبيعي…
طبيعي قوي.

إستبرق قامت تقف من غير ما تحس.
عينيها اتعلّقت بالإيدين الممسوكين.
الإيد اللي كانت بتحلم تمسكها…
بقت ملك غيرها رسمي.

رحمة شافتها، ومسكة ايدو اكتر،وقالت بسرعة:
– إستبرق! إنتي جيتي بدري!

زين بصّ لها.
نفس النظرة…
اللي ما فيهاش حاجة غير احترام بارد.

– إزيك يا أنسة إستبرق؟

هزّت راسها:
– الحمد لله.

قعدوا.
الكلام كان تقيل.
كل كلمة بتيجي بصعوبة.

رحمة كانت بتحاول تبقى لطيفة زيادة.
وزين كان طبيعي…
يمكن طبيعي أكتر من اللازم.

وإستبرق؟
كانت موجودة بجسمها بس.
روحها كانت برّه، في مكان تاني.

وفجأة فهمت.
مش بس إن زين مش نصيبها…
لكن كمان إن الرحلة لسه طويلة.
وإن الوجع…
لسه ما خلصش.

قعدوا شوية،
والوقت بيعد تقيل،
واستبرق ملاحظاهم.

رحمة كل شوية تميل على زين،
تهمس في ودنه،
تضحك،
تلمس إيده.

مش هزار عفوي…
لا.
كان مقصود.
وكان باين.

وفجأة…
كرسي اتسحب جنب آستبرق.

إستبرق من غير ما تلف، قالت وهي شبه مبتسمة:
– أنا عارفة إنك ورايا والله…

ضحكة خفيف جا من وراها.
ورد يعقوب بهزار: 
مش قلت لك يا جميل؟ 

رحمة رفعت عينيها بغيظ:
– هو أنتو هنفضلوا تضحكوا كده لوحدكوا؟
 ما تضحكوناش معاكم يا جماعة؟ 

يعقوب رد برخامة:
– وانتي مالك؟

استبرق ضحكت،
ضحكة قصيرة، غصب عنها. 

قالت بهدوء:
– يعقوب أنا ما بهزرش.

بص لها:
– والله وأنا كمان ما بهزرش.
وانتي مالك أصلًا؟
أنا بنحشر بينك وبين خطيبك مثلا؟

رحمة بعصبية:
– ده خطيبي!

يعقوب ببرود:
– خلاص خليكي في خطيبك.

زين حاول يهدي الجو:
– اي يا جماعة… وحدوا الله.

يعقوب رد بصوت واطي
بس كل اللي قاعدين سمعوه:
– أيوه وحدوا الله
وقولوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يمكن رحمة تتحرق وهي قاعدة.

استبرق ضحكت.
ضحكة عالية شوية…
غلط…
بس خرجت لوحدها.

يعقوب بصوت واطي وهدوء: 
–ايوه اضحكي خلي الشمس تطلع. 

رحمة بصتلهم بغِل.
والتوتر زاد.

عدّت خمس دقايق…
واستبرق قامت.

– أنا هأستأذن.

رحمة باستغراب:
– هتمشي ليه؟

– انتي مكلماني عشان نجيب حاجات،
والوقت اتأخر،
مش هنلحق نجيب حاجة.
يوم تاني إن شاء الله.

لمّت شنطتها،
ابتسمت ابتسامة مهذبة،
وقالت:
– يلا… مع السلامة.

ومشيت.

وهي ماشية،
كانت عارفة…
إن الضحك ده
كان آخر حاجة تقدر تقدمها
قبل ما الوجع يكمل سيطرته.
-----------------------------
عدّى شهر.
شهر كامل والدنيا ماشية…
بس مش ماشية جوه إستبرق.

كانت بتصحى، تاكل، تضحك، تخرج…
كل حاجة بتتعمل طبيعي.
طبيعي قوي لدرجة مرعبة.

رحمة كانت دايمًا موجودة.
تعالي يا إستبرق نجيب حاجة للجهاز.
تعالي نشوف فستان.
تعالي معايا مشوار صغير.

وفي كل مرة…
كانت بتتفاجئ.

زين.
دايمًا زين.

في الأول استغربت.
ليه دايمًا معاها؟
وبعدين قالت لنفسها:
ما هو خطيبها… طبيعي.

بس الطبيعي لما بيكرر نفسه بزيادة…
بيبقى وجع.

رحمة كانت بتمسك إيده كتير.
زيادة عن اللزوم.
تهزر معاه بصوت عالي.
تضحك ضحكة طويلة.
وتبص على استبرق من وقت للتاني…
بصّة سريعة،
كأنها بتتأكد إن اللي في قلبها واصل. 

بس الغريب؟
إنها كانت حاسة إن رحمة بتعمل كده قصد.
كأنها بتثبت حاجة.
أو بتمسح حاجة.

وإستبرق؟
واقفـة تتفرج.
مش بتتكلم.
مش بتعترض.
مش بتهرب.

كانت مستغربة نفسها أكتر ما هي مستغربة الموقف.

الغريب بقى…
إن يعقوب كان دايمًا هناك.

في كل حتة تقريبًا.
مش فاهمة إزاي.
ولا ليه.

بس كانت فاهمة حاجة واحدة:
إن تفكيرها بقى بيروح له من غير ما تستأذن.

يعقوب…
اللي دايمًا يهزر.
اللي دايمًا يخفف.
اللي دايمًا حاضر.

واللي…
واضح جدًا إنه مش بيطيق رحمة.

أي كلمة تقولها؟
يرد.
رد مش لطيف.
ساخر.
ناشف.

وهي تاخد بالها…
بس تعمل نفسها مش واخدة بالها.

الغريب أكتر؟
إنه كان دايمًا واقف جنب إستبرق.
من غير ما يقرب قوي.
ومن غير ما يسيبها قوي.

وجوده كان عامل زي مسكّن.
مش بيشيل الوجع…
بس بيخلّيه محتمل.

عدّى الشهر…
وإستبرق بقت حاسة إن في حاجة بتتغير جواها.
مش حب.
مش كره.
حاجة تالتة…
حاجة اسمها تشويش.

وفي يوم…
كانت قاعدة في البيت.
هدوء.
سرحان.
ولا حاجة في دماغها غير الفراغ.

وفجأة…
جرس الباب رن.

رنّة قوية.
مستعجلة.
مش مألوفة.

قامت وهي مستغربة.
فتحت الباب…
واتفاجئت.

رحمة.

– إزيك يا رحمة؟ اتفضلي.

دخلت من غير ما تبتسم.
من غير سلام طويل.
وشها مشدود.
عيونها مليانة حاجة مش مفهومة.

قعدت قدامها وقالت بنرفزة، من غير مقدمات:
– أنا عايزه أعرف منك حاجة واحدة…
حاجة واحدة بس يا إستبرق.

إستبرق رفعت عينيها بهدوء:
– اتفضلي.

رحمة قربت منها شوية، وصوتها واطي بس مش هادي:
– إنتي ليه بتبصي للي في إيد غيرك؟

استبرق اتفاجئت.
– هو إيه اللي كان في إيدك يا رحمة… وأنا بصيت له؟

رحمة ردّت بسرعة، كأنها مستنية الكلمة:
– زين.

سكتت إستبرق لحظة.
وبعدين ابتسمت ابتسامة خفيفة…
الابتسامة اللي بتطلع قبل الانفجار.

وقالت بهدوء تقيل:
– لا…
أنا اللي عايزه أعرف منك حاجة بدل كده.

رحمة اتسمرت.

إستبرق كملت، وصوتها ثابت رغم إن قلبها مش ثابت خالص:
– إنتي…
وأنتِ عارفة إني كنت بحبه…
وأنتِ عارفة كويس قوي هو كان إيه بالنسبة لي…
ليه وافقتي تتخطبي له؟

تعليقات