رواية قلب ماعت ( كامله جميع الفصول) بقلم رباب حسين



 رواية قلب ماعت الفصل الاول بقلم رباب حسين 



لم يكن يعلم أن هناك لعنة تختبء خلف هذا الجدار، تنتظر الشخص المناسب، فهذه اللعنة تختار، ترى داخلك، تعرف أسرارك وأسرار من حولك، تكشفها لك، لتتحول إلى ذلك الشخص الغاضب، تأخذ بثأر لم يكن لك، وبالنهاية تصبح مقيد بروح لم تكن لتغادر قبل أن تخرج الضغينة التي دفنت بها الجسد، ليدخل ذلك القصر، ولم يخرج منه أبدًا، قصر اللعنة... 


بعد عامين،

أصبح هذا القصر أسوء بقاع الأرض، لم يكن ليجرؤ أحد على الدخول به، كل من حاول أن يدخله خرج منه بعد أقل من عشر دقائق، وآخر من دخل القصر خرج يصرخ، يرى نفس الوجه في كل مرآة، حتى عندما أغلقوا عينيه.

ترك السكان المنازل المجاورة له، لم يتحملو تلك الصرخات التي تخرج منه ليلًا، وأصبح الشارع المهجور معروف باسم شارع القصر الملعون، شارع مظلم، لا يوجد به إضاءة....


وفي مكان آخر، هناك من تعمل على تأليف روايات الرعب التي بُنيت على أحداث حقيقية، تذهب إلى الأماكن المسكونة، الأماكن التي أغلقت على أسرار وتحمل خبايا لا يجرؤ أحد على معرفتها.


الكاتبة سجى ممدوح، معروفة بأنها تدخل إلى الأماكن المهجورة، تبحث عن حقيقة الأساطير التي تتلى عليها، تبحث وتدقق، لا تهاب شيء، بل تحاول أن تفضح على هذه الأسرار وتفضحها، عثرت على جثث مقتولة، دُفنت بتلك الأماكن، ووجدت معها الحقيقة المظلمة، يقول الناس بأنها مجنونة، ولكنها بالحقيقة تساعد من لا يستطيع أحد مساعدته.


قبل غروب الشمس، استيقظت سجى بعد سهرة طويلة، قد أنهت بها آخر رواية كتبتها عن منزل قديم بصعيد مصر، المنزل الذي أغلق لأعوام، حتى ذهبت سجى وحلت لغز ذلك المنزل، وبعد أن أعدت الطعام وجلست لتتناوله، تلقت مكالمة من المساعد براء وقالت: ألو.

براء: صباح الخير، توقعت إنك سهرانة طول الليل، إنتي بعتي الملف الساعة ٦ الصبح.

سجى: اه، خلصت الرواية ونمت.

براء: باين عليها تحفة، مرعبة كالعادة.

سجى: أكيد، قولي عملت إيه في البحث، لقيت مكان جديد؟

براء: لقيت، بس المرة ديه منصحكيش تروحي.

سجى: ليه يعني؟!

براء: هو المكان معروف شوية، أعتقد إنك سمعتي عنه، القصر الملعون.

سجى: اه، سمعت عنه، بس ده حقيقي؟! أنا كنت فكراه ترند وخلاص.

براء: كنت فاكر زيك كده، لحد ما رحت الشارع هناك، الشارع مهجور يا سجى مفيش حد ساكن فيه ولا حد بيدخله، حتى عمال البلدية بيخافو يدخلو هناك.

سجى: يعني القصر ملعون فعلًا؟!

براء: الغريب إن القصر كان عادي جدًا من سنتين بالظبط، وفجأة بدأ الناس يسمعو صريخ بليل، الوضع كان غريب جدًا، لأن القصر كان مقفول بقاله فترة، واللي عرفته إن كل اللي حاول يدخل القصر مقدرش يقعد أكتر من ١٠ دقايق، وكلامهم كلهم واحد، المرايات ملبوسة.

سجى: حلو ده، جديد كمان.

براء: سجى، الموضوع حقيقي مش قصة خرافية عشان يبقى رأيك فيها إنه حلو.

سجى: عايز إيه يعني؟

براء: بلاش، بلاش القصر ده، اصبري بس شوية ونشوف مكان تاني.

سجى: لا خلاص، بليل هروح.

براء بفزع: لأ، بلاش بليل، ده الرعب كله بليل، وبعدين الشارع ضلمة، مفيش أي إضاءة فيه نهائي.

سجى: ما أنا هروح بليل عشان اسمع الصرخات اللي قولت عليها، هروح بالنهار أعمل إيه هناك.

زفر براء وقال: مفيش فايدة فيكي، طيب خدي معاكي شاحن، متعمليش زي المرة اللي فاتت وترعبيني عليكي، وخدي أكل، عشان محدش هيوصلك أكل هناك.

سجى: حاضر، سلم بس الرواية للدار، ولو فيه حاجة أبعتلي على طول، أنا هفطر واستعد عشان أروح بليل.

براء: لو لقيتي الوضع صعب أخرجي فورًا، مش لازم تحلي مشكلة المكان كل مرة.

سجى: سيبني أشوف شغلي بقى، سلام.


استعدت سجى لتذهب إلى القصر الملعون، أخذت حقيبتها، وضعت بها شاحن للهاتف، ودفتر لتدوين الملاحظات وقلم ومسجل صوتي، وكشاف إضاءة صغير، وبعض الطعام والمياه، وقفت لترتدي معطفها أمام المرآة لتقع عينها على تلك القلادة، نظرت لها بحزن، ثم حملتها بين يديها لترتديها، أغلقت عينيها تتذكر وجهًا لم يترك مخيلتها منذ سنوات، حب دفن تحت طيات خيبة الأمل، جعل سجى تفقد ثقتها بالحب، لتتوقف عن كتابة الروايات الرومانسية، وتصبح كاتبة روايات الرعب الشهيرة، أخفت القلادة بين ملابسها وذهبت. 


عادةً ما كانت تظل بالمكان المهجور ليلة أو اثنين، لكن لم تكن تعلم ما الذي ينتظرها هناك.

استقلت سيارتها وتوجهت إلى هناك، بعد وقت، وصلت أمام القصر، من أول نظرة له من الخارج أصاب جسدها قشعريرة، تعجبت من الأمر، ربما بسبب برودة الطقس، أغلقت سحاب معطفها جيدًا وأخذت حقيبتها واتجهت لتفتح بوابة القصر، ما أن اقتربت حتى هبت الرياح من داخل حديقة القصر تضرب قدمها بقوة، وكأنها تمنعها من الدخول، لم تكترث للأمر، فتحت الباب وتقدمت بخطوات مثقلة تنظر حولها بهذا الظلام الحالك، فتحت حقيبتها وأخرجت الكشاف اليدوي، ثم توجهت إلى باب القصر وفتحته، الباب لا يفتح بسهولة، استخدمت قوتها لتدفع الباب ولكن دون جدوى، ظلت تدفعه بشدة ولا يتحرك، ابتعدت عن الباب وزفرت في ضيق، ثم أخرجت هاتفها لتتصل بمساعدها براء، وما أن فتحت الهاتف حتى سمعت صوت الباب وهو يفتح، وهناك صوت بالداخل وكأنه فحيح أفاعي، فالتفتت لتنظر إلى الباب وهي تعقد حاجبيها بتوجس، لوهلة شعرت بالتردد، لأول مرة تشعر بالخوف، ولكن استجمعت شجاعتها ثم اقتربت ببطء تنظر إلى داخل القصر، طلت برأسها بالداخل لتتفقد المكان، المكان مظلم للغاية ويبدو أنه شاسع، دخلت القصر، وتقدمت لخطوات بسيطة، حتى انتفض جسدها عندما سمعت صوت الباب يغلق بعنف، ثم سمعت صوت ضحكات استهزائية، نظرت حولها وتنهدت ثم قالت: شكل حد قاعد هنا وبيتسلى، ماشي يا براء، ده المكان اللي المفروض أخاف منه واكتب عليه رواية.

وجهت الكشاف بالمكان لتتفقده، بحثت عن زر الإضاءة ولكن لم يعمل، فتوجهت إلى داخل القصر، تنظر حولها، القصر مهجور، ممتلأ بالأتربة، الآثاث قديم ومهترأ، ظلت تجوب بالأسفل وتركت حقيبتها على المنضدة بمنتصف البهو، وبدأت تتفقد المكان حتى وجدت الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي، صعدت الدرج وهي تقول: طيب المفروض تبقى قاعد فين، ولا مش عايزني أشوفك واكشف إنك بتعمل كده عشان تبعد الناس عن المكان، ويا ترى بقى عايز تهد المنطقة وتبني كومبوند كالعادة ولا إيه؟! 

صعدت الدرج لتجد أن بالنهاية هناك درج على اليمين ودرج على اليسار، وبالمنتصف هناك مرآة كبيرة مذهبة، نظرت لها بدهشة وقالت: شكلها غالية أوي. 

نظرت بها قليلًا وفجأة تحول وجهها لوجه أمرأة أخرى، ارتدت إلى الخلف بذعر، وسمعت صوت يتحدث، صوت عجيب، لم تسمع مثله من قبل، كأنه يأتي من داخل عظام الجدران وقال: خفتي؟! 

رفعت الكشاف وسلطت الضوء بكل اتجاه، لم ترى شيءً حولها فالتفتت لتنزل الدرج، فقال: اطلعي، مش عايزة تشوفيني؟! 

وقفت بمنتصف الدرج، ثم ابتلعت ريقها وحاولت أن تهدأ، الوضع مختلف، لم يتحدث معها أحد هكذا، ولم ترى انعكاس لصورة أمرأة كهذه من قبل، كان يبدو عليها الألم والحزن، فالتفتت مرة أخرى وقالت: مين الست ديه؟! 

الصوت: إنتي.

صعدت مرة أخرى بهدوء وقالت: أنا؟!

الصوت: حزنك وألمك، ديه صورة روحك من جوا.

سجى: وإنت عرفت منين إن روحي حزينة؟!

الصوت: مش سهل تترفضي، مش سهل تتعرضي للخيانة من أعز صحابك.

التفتت حولها يمينًا ويسارًا تنظر إلى الدرج وقالت بتعجب: إنت عرفت ده كله إزاي؟!

الصوت: لسه فاكرة إني بضحك عليكي؟

توجهت بجسدها جهة اليمين لتصعد الدرج، ثم سمعت صوت حركة خلفها، التفتت بذعر لتجد ظل أسود يطير نحوها وصوت دب الرعب بأوصالها، جلست على الدرج ووضعت رأسها بين ساقيها، ومر هذا الظل من فوقها، شعرت ببرودة تجتاح جسدها، وكان المكان قد تجمد فجأة، ارتجف جسدها برعب.


وقفت لتعود إلى منتصف الدرج، وقع نظرها على المرآة مرة أخرى، لتجد صورة شخص ينظر إليها بغضب، وجه غير مألوف، لم يكن غضبه طبيعيًا، بل تحولت عيناه كعين ثعبان، محاطة باللون الأحمر، تجمدت أوصالها، وقفت محلها وكأنها فقدت قدرتها على الحركة، ظلت تنظر إلى انعكاس هذا الرجل، حتى فقدت الإحساس بما يحدث حولها، وكأنها نقلت إلى عالم آخر، هناك من تسلل داخل عقلها، زاد شعورها بالغضب والكراهية، حتى رأت بالمرآة انعكاس صورتها وهي تحاول أن تقتل صديقتها التي خانتها بالسابق، فتحت عينيها في ذعر، ترى نفسها تقتل شخصًا بيدها، ثم رددت بداخلها: لأ، أنا مش قاتلة، أنا مش قاتلة.

سمعت صوت غاضب يقول: يستحقون القتل، كل خائن يستحق القتل، اقتليها، اقتليها.

وضعت سجى يدها على أذنيها في خوف، الصوت قوي، يسحب كل الأنفاس من الصدور، وكأنها فقدت كل أمالها بالحياة، كل أحلامها لم تعد لها وجود، ترى فقط الجانب المظلم من العالم.

سمعت صوت آخر، صوت صرخات عالية، وكأن هناك من يستغيث، وبعد لحظات أختفى الصوت، نظر لها داخل المرآة وقال بصوت غاضب اهتز على آثره جدران القصر قائلًا: كلهم يستحقون الموت.

نظرت له بضعف، وكأن روحها تعذب بداخلها وقالت: لأ، كلنا محتاجين فرصة، حتى اللي غلط يستحق فرصة يصلح غلطه.


سمعت أصوات صرخات متتابعة، ورأت نظرات الغضب تتطاير من عينيه، لم تعد تحتمل، شعور اليأس الذي دب بقلبها وكأن الحياة فقدت معناها جعلها تقرر الاستسلام، ولأول مرة تواجه هذا النوع من الأشباح، روح معذبة، وهناك أرواح أخرى محبوسة بالمكان، يبدو وأنها تُعذب أيضًا، هي لم تستسلم من قبل ولكن هذه المرة لم تقوى على حل الأمر، لم تعرف السر الذي يختبء خلف الجدران، من هو؟! ماذا يريد؟! وكيف عرف عني كل شيء؟! وكأنه سكن روحي واستولى عليها، ملك عقلي يحركه كيف يشاء، يرسم به صورًا لم تراها من قبل، حتى تذكرت حديث براء، حين طلب منها الرحيل إذا شعرت بخوف أو ذعر غير مألوف، نعم هو محق، القصر ليس كأي مكان دخلت به من قبل، فقررت الرحيل.


حركت جسدها بصعوبة أغلقت عينيها حتى لا ترى انعكاس وجهه، الصرخات تعلو كلما هبطت الدرج، حتى دفعت بجسدها بقوة، نزلت الدرج وحملت حقيبتها وركضت نحو الباب، حاولت أن تفتحه ولكن دون جدوى، ثم شعرت بأن هناك شيء يتحرك خلفها، فالتفتت ووجهت الكشاف لترى بوضوح، وجدت هذا الظل يتحرك باتجاهها، وصوت عاصفة قوية يقترب منها سقط الكشاف من يدها وانطفأ الضوء، لم ترى شيئًا حولها، أمسكت هاتفها لتفتحه بذعر، يدها المرتعشة لم تستطع أن تفتح الهاتف، وما أن فتحته وسلطت الضوء باتجاه الظل، رأت وجه الرجل بالمرأة ينظر إليها بغضب، فارتدت إلى الخلف ليرتطم ظهرها بالباب وقال بصوت مخيف: تحديتي لعنتي، وقبلت التحدي، دلوقتي اللعب بيني وبينك، هنشوف مين هيفوز في الآخر.


نظرت له بذعر والتفتت بجسدها وهي لازالت تنظر إليه بخوف، تحاول فتح الباب ولكن دون جدوى، ركضت من أمامه فطاف عاليًا، ومد خطوط الظل حولها ليقبض على جسدها حتى وقعت على الأرض، وارتطم رأسها وفقدت الوعي.

وللمرة الأولى… لم تكن سجى تعرف هل فقدت وعيها… أم سرقت اللعنة روحها.

الفصل الثاني من هنا

stories
stories
تعليقات