رواية بين انياب الاسد ( كاملة جميع الفصول) بقلم

 

رواية بين انياب الاسد كامله جميع الفصول بقلم حسام العجمي


الدور الأرضي لمحكمه باب الخلق الأثرية وفي نهاية رواقه الطويل المزدحم بقاعات المحاكمات تقع غرفه كاتبي الجلسات وهي غرفة واسعة ، عتيقه كمبناها ، نوافذها الخشبية من الطراز القديم وإن كانت أوراق ضلفتيها الخشبية الرفيعة قد تكسرت و كثيرا ما إقتحمت الرياح والأتربة هذه الغرفة و حوائطها مرتفعة وقد تدثرت بأرفف خشبية تكدست عليها ملفات هائلة العدد.

قبع داخل هذه الغرفة الواسعة أربعه مكاتب متهالكة يشغلها ثلاثة موظفون, إفترش اثنان منهما المكتب الرابع الخالي إفطارهما عليه بعد خروج صاحبه علي المعاش آما زميلهما الثالث قد جلس يستكمل تسجيل القضايا الخاصة به. 
موظف لزميلهما الثالث : أنت يا عم ما تيجي تأكل معانا ...بدل ما أنت مقضيها شاي....شاي بس
الثالث بعدما ألقي عليهما نظره : ماليش فى الأكل بتاعكم ده 
الموظف الآخر : ليه يا أخويا ...فول وطعميه أهو زي الناس العادية 
الثالث : بص يا مسعد ...إنت شغل الرشاوى يتاعكم ده .... أنا لا ليا فيه ولا ليا أكل منه 
مسعد : إكراميات ....اسمها إكراميات يا عم خالد 
خالد ( ممتعضا ) : ماشي ...اكراميات برضه ماليش فيها برضه 
مسعد : ليه بس الكلام ده.. ده إحنا بنساعد الناس
 
خالد متهكما : بتساعدوهم بعد ما تقفلوا فى وشوشهم باب حصولهم علي حقوقهم ...اللي عايز يطلع على قضيه اقبضوا منه ...اللي عايز يمضى تقبضوا منه ..اللي عايز يصور قضيه تقبضوا منه ، بعد ما تعقربوا له الدنيا وأول ما يدفع تتفتح له أبواب كل حاجه ...وأنا مش كده 

الثالث : يا عم خالد ...ما احنا برضه بنشتغل وبندور لهم على الملفات وبنجرى نمضى الموافقات من المستشارين
مسعد مقاطعا : يا خالد ، إحنا ولو مشينا معاهم قانونى هياخدوا حاجتهم بعد أسبوع ، عشر تيام ما أنت عارف الروتين
 
خالد ناظرا إليهما مستاءا : نصيحة ليك يا مسعد إنت و فريد امشوا عدل ...فاهم امشوا عدل ...أنتم خليتم الناس تبص لنا بشكل زفت 
 فريد : يا خالد يا أخويا...الدنيا واللى فيها بقوا صعبين أوي وطلباتها تقيله هنعمل ايه طيب؟
مسعد: أنت نفسك ...شوف حالك أهو معدى الأربعين وتعبان.. شوف حال بيتك وأهلك ....مرضي انت يعني بالعيشة اللي إنت عايشها.
 
خالد بثقة : الحمد لله ...راضى و عمرى ما طلبت من ربنا و ردني  
مسعد : طيب وغسيل أختك يا عم الراضي ...هتعمل فيه ايه مش بيكلفك الشئ الفلاني ....عارف إنت لو توافق و تساعدنا ..هتكسب كتير ...كتير أوي 

هب فريد من فوق المكتب مقتربا من خالد : و هتبقي حاجه تانية خالص 
هب خالد واقفا وقد بدا الغضب علي ملامح وجهه مما أصاب فريد بالخوف والتوتر فأسرع بالإرتداد مرة أخري إلي جوار مسعد. 
هم خالد أن يصرخ في وجهيهما الإ أنه فوجئ باب غرفتهم يفتح فجاه ويدخل منه المستشار الشاب زياد أبو الفتوح بوجه الباسم دائما.
أوقف ثلاثتهم عن الحديث والقي مسعد وفريد ما بأيديهما من طعام وشراب ليهبا واقفين احتراما للمستشار الشاب. 

زياد ( مبتسما ) : ايه يا رجاله ...ده لو بوكس داخل عليكم بكبسه ماكنتوش عملتم كده
( يضحك)
تلجلج كتاب الجلسات الثلاثة مبتسمين
مسعد: لا مؤاخذه يا أفندم... كنا بنفطر كده حاجة علي ما قسم 
أشار زياد لهم بيده بأن يطمئنا و إقترب من خالد  
زياد : ايه يا عم خالد......كوبايه الشاي لسعت إيدك لما رميتها ولا إيه؟
خالد ممسكا بيده : ولا يهمك يا ريس
 
زياد : طيب أنا جاي أديلك القضيتين دول علشان تحفظهم… واحده بتاعة الراجل اللي قتل مراته والتانيه بتاعة المخدرات اللي متهم فيها رجل الأعمال المشهور حسن المنزلاوى والاثنين ميعادهم الأسبوع الجاي 
خالد : تمام يا أفندم 
زياد : تحفظهم وتقيد اللي حصل زى كل مره ...أنا طالع أجازه وراجع قبل ميعادهم بيوم ...هتجيبهم لى أراجعهم ساعتها( يمسك بكتفه )...تمام 
خالد : تمام يا ريس 
خالد : مش عايز حاجه؟ 
يضم خالد يده الى صدره شاكرا اياه
زياد :وانتم يا رجاله ( يشكراه ) طيب تعالى يا خالد معايا…. عاوزك

جلس زميلي خالد بعد خروجه مع زياد وقد إمتلأ ت وجوههم بالغيرة والحسد  
مسعد : أنا مش فاهم هو فى ايه زياده عننا كل القضايا المهمة دايما هو اللي بيمسكها 
فريد : ما أنت عارف إنه أقدم واحد بينا والناس كلها بتحبه 
مسعد : طيب وزياد بيه ...ماهو شاب ولسه ماكملش سنتين معانا و رامي نفسه معاه برضه 

فريد : هنعمل ايه طيب ....أرزاق 
مسعد : المشكلة أنه مش مفتح دماغه خالص ...بتاع ربنا أوى... كميه المصالح اللي فى ورقه يا لهووووى ... كل مصلحه ومصلحه بألف من اللي معانا 
فريد : هنعمل ايه طيب 

مسعد : مش هينفع كده ... معاه كل القضايا الثقيلة اللي ممكن ناكل كلنا من وراها الشهد واحنا أخرنا جنحه ضرب على نشل على وصل أمانه بخمسميت جنيه ولو بقى بألف يروح له 
فريد : طيب اهدى أنت  
مسعد : جرى ايه يا عم فريد ...أهدى ايه ...إيش حال أن ما كان حالته تعبانة أكتر مننا ...3 عيال وأمهم غير أمه وأخته العيانة 

فريد : طيب اهدى بقى ليدخل ويسمعنا 
مسعد : لا مش ههدى أنا لازم روح لرئيس القلم بتاعنا وأطلب منه العدل فى توزيع 
فريد : براحتك ...
مسعد : مش هتيجى معايا يعنى ...فالح تقاسمني بس 
فريد : خلاص هاجى معاك بس أنت اللي هتتكلم 
وصمت الأثنين مستأنفين إفطارهم
 
خارج الغرفة 
زياد بقلق : أخبار أختك ايه ؟
خالد : الحمد لله 
زياد : طيب اتفضل يا سيدى ( مادا يده بظرف متخم ) 
خالد ( دون أن يمد يده ليأخذه) : إيه ده يا زياد باشا؟
زياد مبتسما : مخدرات ( مبتسما) , ما تمسك يا جدع 
خالد : أعرف ايه ده بس يا باشا 
يبتسم زياد : مفيش فايدة فيك ...دي منحه بثلاث آلاف جنيه علشانك 

مد خالد يده الى يد زياد مبعدا إياها دون أن يأخذ المظروف
خالد بخجل : شكرا يا أفندم أنا ما بخدش لا صدقه ولا حسنه ...سيادتك غالى عليا بجد ... بس سامحني أنا كده.... 
زياد ضاحكا : يا عم اتنيل وأمسك ...دى من النقابة
إلتفت خالد مندهشا و وبدا علي وجهه العديد من التساؤلات
زياد : هفهمك دي منحة من نقابه القضاة وحضرتك هتمضي على وصل كمان أحسن يتهموني بالإختلاس بسببك ، ياللا أمسك بقى عايز أمشي .

تمكن التعجب و الإندهاش من خالد : مش فاهم....معلش ممكن توضح لي منحة إزاي لواحد كاتب محكمة زي ...يعني 
زياد مبتسما : يا إبني إفهم ، أنا عملت طلب بإسمك وبحاله اختك وأتقبل وطلعوا لك المبلغ ده كمنحة بيعملوها علي حسب الحالة ....أمسك بقى ...زهقتني

أخذ خالد يتنقل ينظراته ما بين المظروف و وجه زياد لثوان ثم إرتسمت الفرحة فى عينيه وما إن إستوعب ما قاله زياد حتي ترقرقتا عيناه بالدموع   
يحتضن خالد زياد : أنا مش عارف اقول لحضرتك ايه انا متشكر ...متشكر أوى 
زياد مربتا علي كتفه : ماتقولش حاجه .....ياللا خلصني حط فلوسك فى جيبك... عايز ألحق مراتي علشان مسافرين.... أمضى بقى خنقتني ....وانشاء الله لينا قعده لما أرجع .
خطا المستشار خطوتين ثم التفت الي خالد : خللي بالك ...أنا مش ناسي لك دور الشطرنج المرة اللي فاتت فزت عليا اول ما ارجع هيبقي بينا قعدة ( مبتسما) و هاخد تاري منك 
خالد مبتسما : إلا الشطرنج يا ريس ده لعبتي ..صعب عليك تكسبني 
زياد ضاحكا : يبقي هحبسك  

إستلم خالد المظروف وأخذ يحمد ربه فقد أتت هذه الأموال فى وقتها فموعد غسيل كليه أخته بعد الغد ولم يكن معه كل المبلغ لكن بمبلغ كهذا فهو سيستطيع أن يغسل لها لثلاث مرات .

ما أن دخل خالد الى مكتبه الا ورمقه زميلاه بنظرات الغيرة الشديدة وبالأخص مسعد الذى عاجله بالسؤال 
مسعد : نكمل كلامنا يا عم خالد  
ينظر اليه خالد وعلى وجه ابتسامه رضا
فريد : إيه يا عم الرضا ده كله ...زياد باشا شكله ظبطك ولا إيه من ورانا  
خالد مبتسما : شوف الطبيعي إني أضربك ..بس انا هنصحك بحاجة الحمد لله ...يا ريتك ترضى ...صدقني ساعتها ربنا هيخليك أغنى بنى أدم و عمرك ما تحتاج حد 

يضحك مسعد : أه والغنى غنى النفس وكده ...دى حجه الفقير عديم الحيلة 
خالد: شوف يا مسعد ، آخر نصيحة عقولها لكم ...اللي مع ربنا عمره ما ينضام و إرضوا بشغلكم وباللي ارتضيتم تقبضوه...ربنا يسترها عليكم

انطلق خالد الي إحدى جلساته تاركا إياهما يغليان من الغضب و ما إن أنهيا وجبتهما حتي توجها الى رئيسهم ليتباحثا معه فى أمر توزيع القضايا .
رئيس القلم : انتم عارفين أن توزيع القضايا لو ما إتدخلش القاضي فيه هيبقي مني 
مسعد : خالد واخد كل القضايا الكبيرة 
رئيس القسم : بتبقي توصية من القاضي و بالنسبة لخالد حاولوا تلموا نفسكم معاه و حسنوا من اسلوبكم معاه 
فريد بغضب : ولو معملناش كده ؟ هيعمل لنا ايه اكتر من اللي عامله فينا ؟ 

رئيس القسم : خالد اقدم واحد فيكم وهو اللي هيمسك مكاني يعد ما اخرج علي المعاش
نظر الإثنان لبعضهما البعض في صمت مطبق كأنهما قد فقدت النطق تماما 
رئيس القسم : عليكم بالرضى بما أنتما فيه وإتعايشوا مع الأمر الواقع وبحذركم أهو اللي بتعملوه ريحته فاحت ...لموا نفسكم شوية ...ياللا روحوا شوفوا حالكم . 

خرج الاثنين عائدين الى مكتبهما وقد تملك الغضب منهما بعد أن ايقنا أن الوضع لن يتغير بل سيصبح أسوأ إن تمت فعلا ترقيه خالد كرئيس لهما. 

بنهاية اليوم خرج خالد كعادته بعد أن أغلق ادراج مكتبه جيدا كحاله كل يوم بأن يقوم بوضع أقفالا عليها والتي كان قد قام بشرائها على حسابه الخاص لحمايه قضاياه المهمة
مسعد متهكما : كأن جواها كنز على بابا 
خالد : اكتر ...دى حقوق الناس ...ربنا هيسألنا عليها لو ضيعناها ( ثم توجهه للخروج ) سلامو عليكم 
خرج خالد مسرعا كعادته فرحا بما ارسله الله إليه من ستر الحال و معونه
 
أثناء خروجه مر شريط الذكريات بعقله فهو أخا اكبر لثلاث أخوه تكفل بتربيتهم والصرف عليهم واستكمال تعليمهم بعد وفاه والده مقررا التضحية بحلمه في إنهاء الثانوية العامة و الالتحاق بكليه الحقوق وأن يصبح وكيلا للنائب العام ذات يوم أو قاضيا أو محاميا كبيرا

 ترك خالد كل شئ كان يعشقه دراسته وهواياته فلقد كان من أذكي لاعبي الشطرنج أحد أندية الشباب القريبة من منزله كما كان يعشق رياضة الملاكمة و حصل علي عدة ميداليات في بعض المسابقات للناشئين و كان مدربينه يتوقعون أن يكون بطلا الجمهورية ذات يوم .

بكن للأسف أجبرته الظروف علي ترك كل ما يحب و يهوي فألتحق بالعمل فى العديد من المهن فعمل كعاملا باليومية كما كان حال أبيه قضي بها فترة ليست قصيره إنتقل بعدها للعمل في توصيل الطلبات وخلافه حتي أتته الفرصة بأن أصبح كاتب يوميه بفرن للعيش عن طريق أحد المستشارين بالحى الذى يقطن فيه.

ثم ساعده هذا المستشار في التعيين بقلم المحضرين، أظهر خالد منذ بداية تعينه الأمانة و حسن تعامل مع الجميع ناهيك عن نجاحه في كل ما كان يوكل إليه، ومرت السنوات حتي حتي وصل الى وظيفة كاتب جلسات.
 
تحمل خالد مسئوليه رعاية عائلته فإستكمل تعليم إخوته فتخرج أخيه من كليه الحقوق وتوسط له فعمل محاميا بمكتب للمحاماة.
أما أخته فقد صارت مهندسه للديكور وتولي تكاليف زواجها من زميل لها مفضلا إياها علي نفسه والآن هاهو يتولي علاج أخته الصغرى ومصاريف تعليمها حتي وصلت الى السنه النهائية بكليه التجارة دون أن يطلب اي معونة من أخويه الآخرين.

ثم أكرمه الله بالزواج من ابنه جار لهم بالبيت الذى يقطنون به والذى كان ملكا له ولأخواته ارثا من والده و الذى كان قد ورثه عن جدهم ... فكانت أمينه...

أمينة هي حب عمره من الصغر فلقد كانت ولا تزال تحبه آما هو فلقد كانت بالنسبة له كأميرة الاحلام لكن لم تأتي له الرياح بما يشتهيه.
فمع توليه مسئوليته التى حملها بعد وفاه والده قرر ان يبتعد عنها تاركا لها حرية الزواج ....لكنها بالمقابل رفضت الكثير وأعلنت له أنها ستنتظره إلي نهاية العمر .

بعد زواج أخويه، تقدمت أمه لطلب يدها دون أن تخبره واتفقت مع أهلها بأن تقيم أمينه معها ببيت العيلة وهو ما رحبت به أمينة بشدة .
وما شجع أهلها علي الموافقة ما قام به إخوة خالد الثلاثة بالتنازل له عن أنصبتهم بالبيت بالكامل عرفانا وتقديرا له منهم ولكل ما فعله معهم منذ صغرهم.
 مرت السنوات ، أنجب خالد خلالها ولدا اسماه عليا وبنتين توأم أميرة وأمينة الصغيرة التي أسماها على اسم أمهما لحبه وهيامه بها. 

تداعت كل هذه الذكريات أثناء إنتظاره لحضور الأوتوبيس الخاص بمنطقته حتى أنه لم يلحظ أو يستمع فى أول الأمر الى النداء المتكرر لإسمه و الآتي من داخل سيارة فارهه من إحدى ماركات السيارات العالمية والتي قد يخاف خالد حتي أن يقترب منها أو يلمسها .

وحين لم يجد سائق هذه السيارة أي إستجابة من خالد حتي أدار سيارته ليسير بها ببطء حتي أوقفها أمام محطه الأتوبيس قاطعه الطريق على دخول أى اوتوبيس للمحطة مما أثار غضب الواقفين وتذمرهم و بدأوا في مهاجمته بالقول و اللوم

تعليقات