رواية جثة يارا كامله جميع الفصول بقلم عيد عزام
.. مستوحاه من أحداث حقيقة ..
لو شايف إن حظك من الدنيا وحش ..فانت اكيد في وضع أحسن بكتير من حياة أطفال الشوارع ..
أنا واقف عند حارة ضيّقة، الشارع ساكت والريحة رطبة من المطر اللي وقع قبل شوية. الأرض مليانة ورق، زجاج، وسوسة. قدامي جثـ ـة يارا، طفلة صغيرة، عيونها مفتوحة، وشعرها منتشر حوالين وشها. قلبي بيدق بسرعة، بس مش
خـ ـوف عليّ، خـ ـوف من اللي حصل هنا.
أنا كـ ـريم، ظابط تحقيقات في القسم، ودايمًا بيرموني للجرائم اللي الناس بتخاف تبص عليها. أول مرة أشوف جثـ ـة طفل في الحارة دي، وحسيت إن كل جزء مني بيتقل. المكان ساكت، بس فيه أصوات صغيرة: حفيف ورق، صدى خطوات بعيدة، قلبي بيدق، نفسي مش قادر أطلعه كله.
فتحت شنطتي، كاميرا صغيرة، ضوّيّة صغيرة، ورقة وقلم. ركّزت في كل حاجة: خدش صغير في رجلها، أثر تراب على إيديها، وشدّت بعضها مع بعض. كل حاجة هنا، كل ورقة، كل خطوة، ممكن تكون دليل.
الناس حوالي ماشية عادي، ولا حد شايف، ولا حد حاسس. بس أنا عارف، المكان ده مش طبيعي. الجــ ـريمة مش حادثة فردية، وفي حد وراها، عارف كل تفصيلة، عايز حد يشوف، عايز حد يعرف.
حد قابلني من المارة، سأله: "فيه حاجة حصلت؟"
بصيتله بنظرة سريعة، ورجعت للحارة. كل حاجة حواليا، كل حيط، كل ضلمة، بتصـ ــرخ باللي حصل.
فتحت ملف القضية القديمة. يارا مش أول واحدة، فيه أطفال تانين اختفوا أو لقوا ميتـ ــين بنفس الظروف. كلهم كانوا جزء من الست اللي بتدير الشغل ده، بتخلي الأطفال يشحتوا لها من وهم صغيرين، وبعدها البنات اللي يكبروا تدخلهم في شغل مظلم، بين شوارع المدينة وظلام الليل.
كبرت الصور واحدة واحدة، ركّزت في وشوش الأطفال، في آثار العنـ ــف، في الأماكن اللي مكانوش المفروض يبقوا فيها. التفاصيل الصغيرة اللي أي حد ممكن يتجاهلها، بس أنا شايفها. كل علامة، كل خـ ـدش، كل خطوة محسوبة.
وسط كل ده، حسّيت بحاجة غريبة. زي إن حد بيراقبني من بعيد. ظل طويل بين البيوت، حركة سريعة، ما قدرتش أميّز إذا كان إنسان ولا ظل. قلبي بدأ يدق أسرع، كل عضلة في جسمي متوترة، كل حاجة حواليا ساكتة إلا صوت نفسي.
فتحت الهاتف، رنّ البلاغ التاني. مش جثـ ـة، بس خبر: طفل ظهر في الحارة، بيقول اسم يارا وبعدين اختفى. رسالة؟ تحذير؟ مش عارف، بس شعرت إن اللي ورا ده قريب، وانا لازم أكون صاحي.
رفعت عيني من الهاتف، الحارة مليانة ظلام، بس حاجة صغيرة لفتت انتباهي: أثر خطوات صغيرة، بعيدة، قربت من الحارة وسابت أثر تراب على الحيط. مفيش صوت، مفيش أي حاجة واضحة، بس كل حاجة حواليا بتحكي إن القـ ـاتل لسه موجود، بيحسب، بيخطط، وكل لحظة بتقربنا من الحقيقة.
كنت واقف، كل جزء مني بيصـ ــرخ: "خليك صاحي، ركّز، كل خطوة محسوبة."
الحارة ساكتة، بس الجـ ــرايم اللي حصلت هنا بتحكي. وأنا أول واحد يسمع، أول واحد يحاول يفهم، ويبدأ يكشف
الغـ ـموض حوالين جثـ ـة يارا.
