رواية جريمة مدبرة كامله جميع الفصول بقلم احمد المغازي
حكاية صداقة تنتهي بخيانة بشعة، وعلى رأي المثل أحذر من عدوّك مرّة ومن صديقك ألف مرّة.. لأن الطعنة مش بتيجي غير من أقرب الناس لك، ومش هبالغ لو قولت إن دي أصعب قضية اشتغلت عليها، وصعوبتها كانت في تفاصيلها.. وحتى بعد ما القضية اتحلت كان لسه في لغز اسمه ليه؟
****
أنا وكيل النيابة زكريا، اشتغلت على قضايا قتل كتير جدًا وبفضل ربنا قدرت أحلهم رغم التعقيدات والبشاعة اللي كنت بشوفهم، لكن القضية دي كان فيها لغز.. لغز لحد النهاردة مقدرتش أفهمه.. والبداية كانت لما جالي بلاغ عن جريمة قتل شاب في التلتينات من عمره، التقارير الأولية بتشير إن المجني عليه لقوه مخنوق وملفوف في ملايا السرير ومرمي جوا الدولاب، خدت آخر نفس من السيجارة وبعدها سحبت مفاتيح عربيتي واتحركت على العنوان، واللي كان شقة في منطقة شعبية وسط حارة ضيقة، ركنت عربيتي ودخلت البيت علطول.. الريحة كانت بشعة وجايبة لحد آخر الشارع، تمالكت نفسي علشان أشوف شغلي، وبعد نظرات اولية للبيت ملقتش أي آثار لمقاومة، والبيت كمان مترتب وحتى الشبابيك تمام، لكن لفت نظري شباك الحمام اللي كان شبه مخلوع.. اعتقد القاتل دخل منه بعد ما كسره، وبعد ما خدت نظرة أتأكدت من سهولة الدخول من الشباك ده، نظرًا لأنه مقارب للارض، وكمان في ضهر البيت.. اللي تقريبًا مفيهوش غير شوية طرنشات بتجمع فضلات الحارة.
قربت بخطوات ثابتة للاوضة اللي فيها المجني عليه، الريحة كانت بتزيد.. ريحة عفن ناتجة عن التحلل، لبست الجلافز وكشفت الغطاء من على الجثة، لمحت آثار لصوابع على رقبة المجني عليه، وقبل ما انده على فارس ظابط المباحث، طلبت فرق الطب الشرعي والجنائي علشان اخد منهم تقرير مبدئي عن اللي حصل، وبعدها خرجت من الأوضة بعد ما غطيت الجثة مرة تانية، لقيت فارس في وشي، وقبل ما أتكلم سمعت صوت دوشة، ومن نظرتي له فهم، وطلب من العساكر تبعد الناس اللي اتلمت، بعدها عرفت منه الشخص اللي بلغ واللي كان متحفظ عليه، جه ووقف قدامي، ملامحة كانت حادة، ورغم كده كان بيبكي بحرقة وهو بيقول:
-يخسارة شبابك اللي راح هدر يا صاحبي.
حطيت ايدي على كتفه وأنا بقول:
-استهدى بالله واقعد، علشان محتاج أسألك كام سؤال.. انا عارف إن الوضع ميسمحش لكن لا بد منهم.. ده لو عايز حق صاحبك يرجع.
رفع وشه ليا بعدها بص للأرض من تاني وقال بصوت مبحوح:
-تحت أمرك يافندم.. أنا مستعد أعمل أي حاجة علشان حقه يرجع.
-اسمك وسنك؟
-فتحي.. فتحي الصواف، ٣٩ سنة.
-قولي يا صواف، اكتشفت الجريمة ازاي؟
قاطعني فارس وهو بيقول:
-بعتذر منك يا باشا، دي بطاقة المجني عليه، لقيناها واقعة على الأرض، ومفيش أي أثر للموبايل، اعتقد القاتل خده.
خدت منه البطاقة وعرفت إن اسم المجني عليه "عزام محمد"، بعدها بصيت لفتحي وقولتله:
-ها.. قولي بقى اكتشفتها ازاي؟
مسح دموعة وقال:
-عزام الله يرحمه كان صاحب عمري، بس من خمس أيام حسيت إن تصرفاته متغيره.
بصيت باهتمام وقلت:
-متغيره ازاي يعني؟
-مبقاش يخرج كتير، وبقى يقعد في البيت أكتر، وحتى لما كان بيخرج مكنش بيعرفني، ولما كنت ارن عليه مكنش يرد، سبته على راحته ولما الموضوع زاد عن حده روحت له، فضلت اخبط لكن محدش بيرد، رنيت عليه.. موبايله مُغلق، قلقت، ومع قلقي الريحة اللي كنت بكدب نفسي إني شاممها زودته، كسرت الباب ودخلت علشان أكسر الشك باليقين، فضلت انادي عليه وانا بدور في الشقة، لحد ما دخلت اوضة نومة، الريحة زادت بعدها اكتشفت الفعل البشع، وبلغت علطول.
سكت شوية وبعدها الدموع غرّقت وشه وقال:
-الله يرحمك يا عزام الله يرحمك يا صاحبي.
-وحد الله وقولي، عزام مكنش له أعداء؟
مسح دموعه وقال بصوت حزين:
-اعداء ايه سعادتك، ده سمعته كانت سبقاه في الحارة، والكل عارف إن مكنش بيطلع له صوت.. ده الله يرحمه لو كان اتحط على الجرح يطيب.
-تمام يا فتحي، شايف العسكري اللي هناك ده.. هتروح له وتسيب له شوية بيانات عنك، بعدها تتفضل انتَ ولما احتاجك هبعتلك.
بعد ما خلصت معاه، طلبت من فارس يعملي شوية تحريات عن عزام، ويفرغلي الكاميرات لو فيه.. وبعد عشر دقايق دخل دكتور ياسر من الطب الشرعي، وايناس أخصائية الأدلة الجنائية. رحبت بهم وعلطول محدش ضيع وقت وكله بدأ يشوف شغله. الأول بدأ في فحص الجثة واللي حسيت إن وشه اتغير لما شاف حاجة سألته بفضول:
-في حاجة ولا ايه يا دكتور؟
-ايوة يافندم.. المجني عليه محفور على بطنة بألة حادة اسم لشخص.
-اسم مين؟
اتنهد وقال:
-هدى.. مكتوب هدى.
طلعت دفتر الملاحظات ودونت التفصيلة دي بعدها سألته:
-طب في آثار لمقاومة؟
-مفيش أي علامات تدل إن المجني عليه قاوم، وفي احتمال كبير إنه اتخنق وهو نايم.. مش هقدر أعرف أي حاجة تاني غير بعد التشريح.
-تمام يا دكتور.
سبته وخرجت من الأوضة، لقيت فريق الأدلة الجنائية بيرفعوا البصمات وبيصورا المكان.. قربت من إيناس وسألتها:
-في حاجة ظهرت؟
-البيت مفيهوش علامات لفوضى، وده يدل إن محصلش مقاومة، وكمان مفيش غير شباك واحد مكسور، والباب، الشباك ده اللي دخل منه القاتل، ورفعنا البصمات اللي عليه، والباب اللي دخل منه الشخص اللي اكتشف الجريمة، وبرضه رفعنا البصمات اللي عليه. وبعد ما قدرنا نفحص البيت كله، مفيش أي بقع دم، ولا حتى آثار لفوراغ طلقات. لكن لقينا مخده عليها بقع ماية، في احتمال يكون القاتل استخدمها في ارتكاب جريمته.. بالنسبة لتمعلقات المجني عليه، كلها في مكانها معادا الموبايل، يعني الهدف مكنش سرقة، وأكيد القاتل خد الموبايل علشان يخفيه. في احتمال يكون حصل تواصل بينهم من خلاله قبل ما ينفذ جريمته.
-لو الهدف مكنش السرقة، يبقى في احتمال يكون انتقام، لكن انتقام ليه ده اللي لازم اعرفه.
-ده احتمال كبير يا فندم، نظرًا للاسم المحفور على الجثة، أكيد الاسم ده وراه سر.
-والسر ده انا اللي هعرفه، عظيم يا ايناس.. هستنى منك التقرير النهائي.
بعد كلام إيناس، كده احنا قدام جريمة قتل مكتملة الأركان، ولو الغرض مكنش السرقة، يبقى أكيد في حاجة دفعت القاتل ينفذ جريمته وده اللي لازم اعرفه في أسرع وقت، واسم هدى ده أكيد وراه سر ومعايا مفيش سر بيستخبى كتير.. خرجت من البيت بعد ما الجثة طلعت على المشرحة، وقبل ما اركب عربيتي سمعت صوت خبط وتلخبيط جوه شقة قريبة، صوت لأزاز بيتكسر وكراكيب بتقع، قربت بهدوء وخبط تلت خبطات، بعدها خرج لي شاب لابس فانلة حملات وباين عليه سكران طينه، وده عرفته من عينيه وطريقة كلامه لما قال:
