رواية جثة المركب كامله جميع الفصول بقلم محمود الأمين
الحكاية المرة دي غير… أصلها بدأت مع الريس شحته الصياد. ولو مش عارف مين الريس شحته؟! ده واحد من أكبر الصيادين، ريس ومعاه المركب بتاعته.
يومها خرج المعلم شحته من بيته بعد خناقة طويلة مع مراته سعاد، اللي كانت منكدة عليه عيشته.
الساعة كانت لسه 6 الصبح، واتجمع هو والبحرية سالم، وعثمان، وكارم، عشان يطلعوا السَّرحة بتاعة النهارده.
طلعوا على المركب، وبعد ما وصلوا لنص البحر بدأوا يصطادوا، والمعلم شحته دخل يريح جتته شوية، بس الراحة طولت. ولما دخل سالم عشان يصحيه اتصدم؛ لأنه لقى المعلم شحته مبرق للسقف وميت.
ماكانش عارف يتصرف إزاي، وبلغ زمايله، واضطروا يرجعوا بيه ويبلغوا الشرطة. وفعلاً جات الشرطة، وحكى سالم والبحرية اللي حصل على المركب، والكل كان فاكر إن الحكاية خلصت… لكن دي كانت بداية الحكاية.
...
الجزء الأول
أنا المقدم سعيد أبو زيد… عايش في إسكندرية بقالي 10 سنين، لكن أنا أصلاً من القاهرة. وبصراحة الشغل في القاهرة أكتر من إسكندرية، وهنا مرتاح أكتر، بس الكلام ده اتغير لما وصل بلاغ من بحرية على مركب إن الريس بتاعهم اتوفى أثناء الرحلة.
لما وصلنا هناك كان موجود 3 بحرية، وعرفت أسمائهم: سالم، وعثمان، وكارم.
حققنا معاهم، والتلاتة قالوا نفس الكلام: إن الريس شحته دخل عشان يريح جوه شوية، ولما اتأخر ودخل سالم يصحيه لقيه ميت.
شكل الجثة من بره بيقول إنها مش موتة طبيعية، وعشان كده اتنقلت الجثة على الطب الشرعي. وبعد 24 ساعة طلع التقرير، واللي أفاد إن الريس شحته اتقتل، مش مات موتة طبيعية؛ كان في سم في دم المجني عليه، سم بطيء المفعول بيشتغل بعد ساعة أو اتنين.
وده اللي خلانا نقبض على البحرية التلاتة. وأول ما وصلوا التحقيق ماكانوش مصدقين نتيجة الطب الشرعي، وعرفوا إنهم متهمين في قتل الريس شحته، ودخلوا الحجز.
طلبت من الرائد معتز يعمل تحريات عن المجني عليه وعن التلاتة البحرية. وفي الوقت ده لقيت باب مكتبي بيخبط، والعسكري داخل وبيقول:
– في ست عاوزة تقابل سيادتك يا باشا.
طلبت منه يدخلها، ولقيت واحدة داخلة عليّ في الأربعينيات من عمرها، مقطعة نفسها من العياط وبتترجاني إنها تاخد جثة جوزها وتدفنه.
ماكنتش عارف هي بتتكلم على مين، بس طلبت منها تقعد وتهدى، وعرفت إنها أرملة الريس شحته.
فرديت عليها وقولت:
– أنا مقدر جدًا الحالة اللي إنتِ فيها، بس ماينفعش تاخدي الجثة دلوقتي، عشان في شبهة جنائية في موت جوزك، أو بمعنى أصح جوزك اتقتل، ما ماتش موتة طبيعية.
= يا لهوي! اتقتل؟ مين اللي قتله؟
– لسه مش عارفين يا ست. حضرتك ممكن تروحي دلوقتي، ولما نخلص التحقيق هنطلع تصريح الدفن وتقدري تدفنيه.
…
مش عارف ليه، بس كنت حاسس إن الست دي مصطنعة. دي مش خضة واحدة جوزها مات أبداً. لكن ما ركزتش، وفضلت مستني التحريات بفارغ الصبر.
التحريات اتأخرت، وده خلاني أتصل بالرائد معتز وأستفسر عن سبب التأخير، لكنه رد عليّ وقال إن التحريات هتكون قدامي بعد نص ساعة.
استنيت النص ساعة، وفعلاً دخل عليّ الرائد معتز وفي إيده ملف التحريات، واتكلم وقال:
– الحكاية كبيرة أوي يا باشا، والمشتبه فيهم كتير.
= طيب هات الملف ونشوف الكلام اللي إنت بتقوله ده.
مسكت الملف، وكعادة الرائد معتز إنه ما بيخلينيش أقرأ وبيتكلم هو، وقال:
– الريس شحته ده حكايته حكاية. أول حاجة، المشتبه فيهم أربعة، وده على حسب التحريات اللي أثبتت إن في مشاكل ما بينهم وبين المجني عليه.
أول واحد سالم، وده من طقم البحارة اللي معاه. سالم كان اشتكى قبل كده الريس شحته لشيخ الصيادين بسبب إنه كان بياكل عليه حقه، والموضوع اتطور بعد كده لخناقة. وبسبب الخناقة دي اتمنع سالم فترة من الصيد بأمر من شيخ الصيادين. وقتها سالم هدد وقال كلام كتير، بس بعد كده اتصالحوا.
تاني واحد كارم، وده برضه من طقم البحارة. كارم لجأ للريس شحته عشان بنته كانت تعبانة وكان محتاج فلوس ضروري، لكن الريس رفض يديله فلوس. وللأسف بنته توفت في المستشفى في نفس اليوم، عشان المستشفى كانت رافضة تدخلها غير لما يتدفع فلوس تحت الحساب.
تالت واحد، أو خليني أقول واحدة، هي مراته الست سعاد. حسب التحريات كانت طالبة الطلاق من شحته عشان بيسيء معاملتها، وتسبب إنها سقطت الطفل اللي كان في بطنها، وكان هيموتها هي شخصيًا، بس اتلحقت في المستشفى على آخر لحظة.
رابع شخص واحد اسمه سليم عبد المقصود، وده اللي خلى الحكاية كبيرة، عشان بسببه الريس شحته كان متهم في قضية مخدرات. حسب التحريات سليم ده بيتاجر في المخدرات، وكان محبوس قبل كده في قضية، والمفروض إنه كان محمّل بضاعة عند الريس شحته، لكن البضاعة اختفت من على المركب وقت ما الحكومة كبست عليهم. وبعد ما طلعوا منها، شحته قال إنه مايعرفش حاجة عن البضاعة ومايعرفش راحت فين. وساعتها حصلت مشكلة كبيرة، ولما الحكومة تدخلت سليم قال إن الخناقة على بضاعة سمك.
…
بس كل حاجة بتثبت إن الريس شحته ده كان راجل مش مظبوط.
خلص الرائد معتز كلامه، وقولتله:
– لو جيت حسبتها هتلاقي إن المشتبه فيهم بجد تلاتة مش أربعة. الريس شحته مات مسموم، والسم حسب كلام الطب الشرعي بطيء المفعول، أخد وقت في جسمه لحد ما خلّص عليه. يعني أكل أو شرب حاجة مسمومة، فمين عنده الوقت يعمل كده غير واحد من التلاتة: مراته سعاد، كارم، سالم؟
أكيد الريس شحته كان بياكل على المركب برضه، مش بس في البيت. عشان كده أنا مستبعد الراجل اللي اسمه سليم، بس مش معنى كده إني مستبعده تمامًا. وعشان كده أنا عايز تحريات مفصلة عن التلاتة دول، غير التحقيق اللي هنعمله مع سالم وكارم، جايز حد فيهم يتكلم.
…
كنت لسه ما خلصتش كلامي، لكن في الوقت ده تليفوني رن، واللي كان بيتصل هو ملازم أول سعد عبد النعيم.
بصيت لمعتز وقولتله:
– ده الظابط اللي كان موجود في البلاغ الأول.
ورديت عليه:
– سعيد باشا، بيت الريس شحته بيتحرق.
= بتقول إيه؟
– زي ما بقول لسيادتك كده.
قفلت بسرعة مع سعد، واتحركت أنا والرائد معتز على بيت الريس شحته.
أول ما وصلنا لقينا المطافي والجيران بيحاولوا يطفوا البيت. قربت من الملازم سعد وسألته:
– هو إيه اللي حصل؟
= جتلنا إخبارية على القسم إن البيت بيولع، ولما عرفت إنه بيت الريس شحته اللي حضرتك ماسك قضيته، قولت لازم أبلغك.
كان في عربية إسعاف واقفة ما كنتش واخد بالي منها، ولقيت واحد فيها وشه متشوّه حرفيًا.
بصيت للملازم سعد وسألته:
– هو مين ده؟
= ده والد سعاد مرات المرحوم شحته. حسب كلام الجيران دخل البيت، وبعدها سمعوا صوت انفجار رهيب، والراجل كان واقع قدام باب الشقة اللي بتتحرق، ووشه اتشوّه خالص.
– عربية الإسعاف دي مجهزة؟
= مجهزة يا فندم.
– طيب مستنيين إيه؟ ينقلوه على المستشفى.
وفعلًا اتحركت عربية الإسعاف على المستشفى. وبعد نص ساعة كانت الحريقة انطفت.
تقدمت ناحية البيت ومعايا الرائد معتز. دخلنا البيت، وكان محروق بالكامل ومافيش حتة فيه سليمة. ولقيت على الأرض في نص الصالة جثة سعاد، كانت محروقة تمامًا.
الطب الشرعي والمعمل الجنائي وصلوا، ووكيل النيابة عز الأنصاري وصل هو كمان.
كنت لسه بقول لوكيل النيابة: دي جثة سعاد زوجة الريس شحته اللي اتقتل من يومين… لكن في الوقت ده لقيت سعاد داخلة علينا وبتلطم وبتصرخ.
بصيت لسعاد وأنا مصدوم، وشاورت على الجثة.
وكيل النيابة اتكلم وقال:
– ما سعاد عايشة اهي يا باشا… أومال دي جثة مين؟
فردت اللي واقفة وقالت:
= لا يا باشا، اللي على الأرض دي جثة سعاد.
كنت هتجنن… أومال إنتي مين؟!
وقبل ما تتكلم لقيت…
